السبت، 6 ديسمبر 2014

ثورية .. لا "ثورجيّة" !

بدايةً قف نتذكر ما يحيط بنا..
في العراق: داعش، بقايا أمريكا، إن لم يكونا لفظين لمسمى واحد ! قتل و طائفية دامية و سيارات مفخخة تأتي على الأخضر و اليابس..
في سوريا: طاغية يُقتّل شعبه و آيادٍ خارجية تدير المسرحية التي تداخلت أحداثها و تعددت شخصياتها حتى ما عدنا نفهمها، وحده لون الدماء و الجثث المتناثرة يفجعنا في اليوم الواحد عديد المرات !
و في اليمن "السعيد" لا سعادة بسبب تشرذم القوى الوطنية و الثورة التي خبت نارها قبل أن تنير واقعا دامسا بالظلم و الفقر..
و في مصر عسكر خائن يدمر البلاد بغباء. في مصر وُئِدت الثورة، لكنّ الأحرار لم يكفوا عن الانتفاض رجاءً في ثورة أخرى تولد من لدنهم !
و في ليبيا -الشقيقة الجارة- للثورة بقية حديث، لكن صداه الرصاص و القنابل ! و هل لأهل البلد أن ينصتوا لبعضهم البعض وسط ضوضاء السلاح ؟! و هل تسلم ليبيا من الغرباء وسط هذه الفوضى أم أنها ستكون -من حيث لا تدري- وكرا للإرهابين المجرمين الذين يهددون أمنها و أمن جيرانها ؟!
و أوضاع دولية أخرى أكثر تعقيدا، و تحالفات إستراتيجية دولية لم تعلم بلد الثورة تونس أين تموقعها فيها..
بعد هذه الوقفة السريعة، التي و إن أغفلت كثيرا من التفاصيل، فهي لم تُسفِر عن مشهد بسيط يمكن للتحركات أن تكون فيه تلقائية تُمليها "الثورجية " الحالمة !
اليوم طيف واسع من أصحاب هذه الثورجية يلومون بل يُخَوِّنون حركة النهضة لتعاملها مع وجوه النظام السابق (البورقيبي و النوفمبري).. لكن هل حركة النهضة من أتت بهؤلاء ليكونوا الطرف الأول في المشهد السياسي التونسي أم أن صناديق الاقتراع أتت بهم لتصدح برغبة شعبية لا يمكن أن تُصمّ عليها الآذان رغم كل المؤاخذات على العملية الانتخابية. 
إن حركة النهضة اليوم في وقفة تاريخية حاسمة و في موقع لا أظنها تُحسد عليه. هذه الحركة التي طال أبناءها -قيادات و قواعد- النصيب الأوفر من ضيم النظام السابق و بطشه ، تجد نفسها اليوم جنبا إلى جنب مع رموز هذا النظام في سدة الحكم و يد في اليد لترجمة الإرادة الشعبية لبناء هذا الوطن. إن المتفرج الطُوباويّ لا يتقن غير التنظير لغد مزهر، لكن بأي آليات سنُدركه ؟ هل بالتقوقع على الذات و التمسك برُؤى لا تمت لتاريخنا و زماننا بصلة ؟!
الإلحاح على الخيبة التي لحقت بنا -نحن من علقوا على الثورة آمالهم- و أن لا أمل في واقعنا المُضْني، ضرب من ضروب اليأس. هذا التنظير للخيبة يدفع الكثيرين اليوم إلى تخوين من شدّوا على جراحهم و لم يجدوا غير التعامل مع الواقع -بكل تفاصيله المربكة و المؤلمة -سبيلا للارتقاء و البحث عن سبل النجاة وسط هذا الضباب !
اليوم تونس -و سائر البلدان العربية- ليست بحاجة للمتعنّتين لمواقفهم و الداعين للتخلص من الآخر الذي يختلف معهم، ليست بحاجة لغلٍّ يُعمِي البصائر عن مصلحة مشتركة؛ مصلحة هذا الوطن الذي إن دُمّر سنُشرّد جَمْعًا..
تونس اليوم بحاجة لعقول تفكر كيف ستخرج بنا من أوحال الايدولوجيا المقيتة إلى سباق نظرائنا في هذا الكوكب في ميادين العلم و القضاء العادل و مؤسسات وطنية تحترم المواطنين و تعاملهم سواسيَ.. واقعنا اليوم ليس هينا، و نحن كأبناءٍ لهذا الوطن بأيدينا أن ندفع الى تيسير معطياته بالفهم والعمل على نشر الوعي بالكد و المثابرة و النأي عن السجال الطوباوي الذي يتركنا لقمة سائغة لأصحاب المصالح الدولية الفاجرة..
تونس -والأوطان العربية كافة- اليوم بحاجة لثوار لا "ثورجيين" ! ثوار لا يعرفون اليأس و لا يُنَظِّرون للخيبة التي تحاصر إرادتهم.. ثوار لا يتعلقون بأضغاث أحلام يستدعونها من الماضي، بل يستوعبون الظرف التاريخي الذي هم فيه و يبحثون في متطلباته. ثوار تمتلئ بالفكرة عقولهم قبل هدير حناجرهم.. ثوار لا يندفعون بل يسددون أهدافهم برصانة و حكمة..

06/12/2014


                                                  



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مُروركم يُسعدني.. :)

دليلُ محبّتكم الفعّالة لطفلكم في عامه الأوّل

لأنّكم رفاق العُمر قبل بدايته، لأنّكم الأرض الأولى التي يزرع فيها الطفل خطواته، لأنّكم من ترمون حجر الأساس في بناءِ الرحلةِ الذي ترجون ك...