الخميس، 15 يناير 2015

تقديم كتاب "شروط النهضة" لفيلسوف الحضارة

هذا التقديم كان مشاركة لي في ركن كتاب الشهر في المجلة الالكترونية الشبابية "كلمتي حرّة" (عدد ديسمبر 2013)
----------------------------------------------------
كتابُنا هذا الشّهر للمفكّر الجزائري "مالك بن نبيّ" الّذي عُرف بـ "فيلسوف الحضارة". فابن نبيّ اشتغل في كلّ أعماله على فكرة مركزيّة و هي "مشكلة الحضارة". فقد اعتقد أنّه بإمكاننا إرجاعُ كلّ المشكلات سياسيّة، إقتصاديّة أو أخلاقيّة كانت، كلّها إلى نفس الإطار و هو "الحضارة". و هنا يقول: "مشكلة كل شعب هي في جوهرها مشكلة حضاريّة".
لذلك أخذ بن نبيّ في أوّل الكتاب يُشرِّح أسباب الغياب الحضاريّ الّذي يشكو منه العالم العربيّ الإسلاميّ. و أهمّ أسباب التخلّف هو عدم فهم هذا المُشكل و طرحُه طرحا خطأً طيلة عقودٍ. فالأفكار الإصلاحيّة التّي جاء بها المفكّرون على كثرتها لم تكن ناجعة، حيث أنّها لم تُعالج ا المرض بل إهتمّت بأعراض المرض فقط. كما كانت المعالجة ضيّقة إذ أرجع كلّ مفكّر الدّاء إلى القصور في زاوية معيّنة. فقد ذهب الشيخ محمّد عبده مثلا إلى أنّ مشكل التخلّف يعود إلى فساد العقيدة فدعا إلى إصلاحها بالوعظ. كما ظنّ رجل السياسة جمال الدّين الأفغانيّ أنّ مشكل الحضارة لا يُحلُّ إلّا بوسائل سياسيّة....
بعد ذلك أنكر مالك بن نبيّ نقل حضارة من أمّة إلى أخرى. مؤكّدًا أنّ ذلك مستحيل كمّا و كيفًا. أمّا "الإستحالة الكيفيّة" فقد فسّرها الكاتب قائلًا: "أنّ أيّ حضارة (...) لا يمكن أن تبيعنا روحها وأفكارها وثرواتها الذاتيّة وأذواقها. هذا الحشد من الأفكار والمعاني التي لا تلمسها الأنامل، والتي توجد في الكتب أو في المؤسّسات. ولكن بدونها تصبح كلّ الأشياء التي تبيعنا إيّاها فارغة دون روح وبغير هدف" .
كما أكّد بن نبيّ أنّ تكديس المُتجاتِ الغربيّة لن يُمكّننا من بناء حضارتنا العربيّة الإسلاميّة. فبالتكديس سنحصُل على شيء إن صحّ أن نُطلق عليه إسم "حضارة شيئيّة" أي فارغة من الروح خاوية من الدلالات! و نستخلص هذا من قوله: "فليس من الممكن أن نتخيّل العديد الهائل من الأشياء التي نشتريها، ولا أن نجد رأس المال الذي ندفعه فيها. ولئن سلّمنا بإمكان هذا، فإنّه سيؤدّي قطعًا إلى الإحالة المزدوجة. فينتهي بنا الأمر إلى ما أسمّيه بالحضارة الشيئيّة إلى جانب أنّه سيؤدّي إلى تكديس هذه الأشياء الحضاريّة. ومن البيّن أنّ العالم الإسلاميّ يعمل منذ نصف قرن على جمع أكوام من منتجات الحضارة أكثر من أن يهدف إلى بناء حضارة".
إذن فالحضارة عند بن نبيّ إبداع وتميز و ليست تقليدًا و تبعيّةً.
لحلّ المشكل الحضاريّ أتى بن نبيّ بالمعادلة الآتية:
( ناتج حضاري= إنسان + تراب + وقت )
مُبرزًا دورَ كلّ عنصر في إنجاز التركيب الحضاريّ. إلّا أنّه أردف أنّ هذه العناصر راكدةً لن تُمكّننا من الحصول عن حضارة، فيلزم هذه العناصر أن تتفاعل. ليُبيّن كيفيّة التّفاعل أنجز الكاتب فصلًا سمّاه " أثر الفكرة الدينيّة في بناء الحضارة" أين أكّد على أنّ شرط إنبعاث الحضارة هو "الدّين" معبّرا عن ذلك في قوله: "فدورة الحضارة إذن تتمّ على هذا المنوال، إذ تبدأ حينما تدخل التاريخ فكرة دينيّة معيّنة (...). كما أنّها تنتهي حينما تفقد الروح نهائيًّا الهيمنة التي كانت لها على الغرائز المكبوتة أو المكبوحة الجماح (...). وقبل بدء دورة من الدورات أو عند بدايتها، يكون الإنسان في حالة سابقة للحضارة. أمّا في نهاية الدورة، فإنّ الإنسان يكون قد تفسّخ حضاريًّا وسلبت منه الحضارة. فيدخل في عهد ما بعد الحضارة" .
كما تعرّض مفكّرنا في هذا الكتاب إلى تحليل ما سمّاه بـ "الدورة الحضارية" قائلا أنّنا "إذا نظرنا إلى الأشياء من الوجهة الكونية؛ فإننا نرى الحضارة تسير كما تسير الشمس؛ فكأنها تدور حول الأرض مشرقة في أفق هذا الشعب، ثم متحولة إلى أفق شعب آخر". مؤكّدا أنّ التّاريخ لا يُوزّع أمجاده على أيٍّ كان مثلما تنشر الشمس أشعّتها في الشروق،لكنّ التّاريخ ينتصر لمن استوعب السّنن الإلهيّة عبر التّاريخ و دروسه و سار في هُداهم و لم يضع الوقت في التحرّك العشوائيّ الأعمى الّذي يصطدم بالنواميس الرّامية إلى البناء. 

إنّ التمحّص في هذا الكتاب و في مؤلّفات مالك بن نبيّ لمهمّة جدّا و نحن خاصّة -كشباب- اليوم في أمسّ الحاجة لفهمها و النّهل منها حتّى نستوعبَ دورنا التّاريخيّ في بناء حضارة أمّتنا التّي أفلت منذ كثير من الزّمن.

إليكم أصدقاؤنا إقتباسات من الكتاب :
¤ “إن الذي ينقص المسلم ليس منطق الفكرة ,ولكن منطق العمل والحركة فهو لايفكر ليعمل بل ليقول كلاما مجردا” 

¤ “وإنها لشرعة السماء : غير نفسك , تغير التاريخ !” 
¤ “إن من الصعب أن يسمع شعب ثرثار الصوت الصامت لخطى الوقت الهارب !” 
¤ “.ومن سنن الله في خلقه أنه عندما تغرب الفكرة، يبزغ الصنم” 
¤ “إن إعطاء حقوق المرأة على حساب المجتمع معناه تدهور المجتمع , وبالتالي تدهورها , أليست هي عضواً فيه ؟! فالقضية ليست قضية فرد إنما قضية مجتمع .” 
¤ “إذا كانت الوثنية في نظر الإسلام جاهلية، فإن الجهل في حقيقته وثنية، لأنه لا يغرس أفكاراً، بل ينصب أصناماً.” 
¤ “ولقد يقال إن المجتمع الإسلامي يعيش طبقا لمبادئ القران,ومع ذلك فمن الأصوب أن نقول :إنه يتكلم تبعا لمبادئ القران لعدم وجود المنطق العملي في سلوكه الإسلامي ”

نرجو إليكم قراءةً هادفة !




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مُروركم يُسعدني.. :)

دليلُ محبّتكم الفعّالة لطفلكم في عامه الأوّل

لأنّكم رفاق العُمر قبل بدايته، لأنّكم الأرض الأولى التي يزرع فيها الطفل خطواته، لأنّكم من ترمون حجر الأساس في بناءِ الرحلةِ الذي ترجون ك...