الجمعة، 27 فبراير 2015

عن الثورة.. عن الوجدان..



كان ايقاع الحياة ثابتا لا تُنازعه في وتيرته الصارمة بعضُ توتّراتٍ تظهر على السطح حينا و تركد في العمق أحيانا. و إن كان الأمل يبرق بين الحين و الآخر في قلوب المُوقنين بالفرج و المؤمنين عميقا بالحريّة، فإنّه لم يكن يدرك حيوات البسطاء من القوم؛ غيوم الظلم يُبهِت آفاقها فلا يُرى وميض أملٍ فيها، و حجاب قاتمٌ يحدّد الأنفاس و يحتبسها.. و كان ذاك الحبس أقصى ما ننظر!
عنّي، ثلاث و عشرون عاما هو عمري الذي قضيته قبل انطلاق "الثورة". طعم التّحدّي لم يكن يتجاوز في وعيي اختياري لارتداء الحجاب رغم تعنّت إدارة المعهد و إدارة المبيت الجامعيّ بعدها، و إقامة الصلاة في الحرم الجامعيّ خِلسة بعيدا عن أعين الوشاة، أو مناصرة القضيّة الفلسطينيّة في مسيرة سلميّة يحوّطها رجال الأمن جزعا من هدير أصواتٍ حالمة ليس إلّا! لم أكن أدرك وقتها أنّ للحلم امتداد و أنّ يوما سيجيء لتكبر الأحلام عندما ترضع الأرواح حليب الحريّة الذي درّته الإرادة الإلهيّة..
حلّت الثورة لتقلب موازين في الوجدان: كأن تتذوّق المُستحيل و تشهد هرب حاكم طالما تباهى بجبروته حتّى خاف الرجل من الفضفضة لأهله عن آلام تشقّ صدره. كأن تعلم أن لصوتك صدى في هذا العالم. كأن تتحرّر من مخاوفك و تتجرّأ على الحلم بوطن يكون لك. أن تتعرّف للأمل و لو عقبته خيبة، خيرٌ من العيش طول العمر خائبا يائسا حتّى تعتاد ذاك الشعور و تعجز عن التعرّف إليه و تسميته و إن كان الإسم "خيبة"! معرفة مذاق الأمل سيجعلك تحاول ثانية و ثالثة و عاشرة.. سيعلّمك أن لا تبرح و تقاتل لآخر رمق! أن تؤمن أنّك قادر على إحداث و لو تغيير صغير في ملامح هذا العالم المكشّر عن أنيابه. كأن تتجلّى المواهب التّي اكتنزتها الرّوح و ترسم و لو آهاتٍ و أوجاع، بل لذالك جُعلت لتحمل الهموم و تتكلّم عن مكنونات الأرواح العطشى و اليتيمة.. كأن يشترك القوم في حلم و أن يختلفوا عن طريق السير إليه فتعلو أصواتهم و يحتدّ الخلاف لكن لا جدوى إلّا من حوار يتعلّمون أبجديّاته و به يُيَسّر السير يوما ما.. كأن تتعرّف لزيف الأمل الذي يرفعك عن واقعك، و حقيقة العمل المرهقة و انعطافات الدرب الموجعة المُنجِية.. كأن تدرّب النفس على العطاء لواقع شحيح لتبني مُستقبلا أثرى.. كأن تخلع أناك قبل أن تطأ حرم المحبّة، و حبّ الأوطان مُتعبٌ لو تعلم !
لا أظنني فهمت إلى يومي ما فعلت بي و بمن حولي "الثورة"، لأنّ الثورة لا زالت إلى اليوم ذاك الحلم الذي يُراودنا، الحلم الذي قد نظنّ لوهلات و نحن ننطلق في منحنًى وَعْرٍ أنّه ليس إلّا كابوسا.. "الثورة" التي لعلّها تشهد اليوم انتكاسات في أوطان أشقائنا المصريين و الليبيين و اليمنيين و صعوبات جسام في وطننا تونس ، لكني أرى أنّ انطلاقتها كانت شهيقا جديرا بأن يزرع أنفاسا جديدة في النفوس لتحيى لغد ليس كأمسها بل أجمل و تؤمن أنّ للفلق موعدا تعمل على إدراكه..



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مُروركم يُسعدني.. :)

دليلُ محبّتكم الفعّالة لطفلكم في عامه الأوّل

لأنّكم رفاق العُمر قبل بدايته، لأنّكم الأرض الأولى التي يزرع فيها الطفل خطواته، لأنّكم من ترمون حجر الأساس في بناءِ الرحلةِ الذي ترجون ك...