الخميس، 28 يوليو 2016

سؤال السعادة

- البحث عن السعادة في هذا العالم المُتخَمِ بالأوجاع و المتقطّعة أوصالُه بالتناقضات و المنفجرة أمعاؤه بالإجرام.. بدا أمرا بليدا، تقول لي. السعادة محطّة يستحيلُ الوصول إليها كلّما زاد ادراكنا لحقيقة الأمور و تفاصيلها المُعقّدة.

- و لكن، ألا تخشين أن تدفعك هذه القناعةُ إلى الغرق في اليأس و الإستسلام للقُبحِ الذي أضحى العالمُ يرتديه ؟ إذا لم يترك المرء في قلبه فُسحة حُلم و ذرّة رجاء بأنّه بالغٌ السعادة فكيف حياتُهُ ؟ هي قِطعٌ من العذاب إذن!

 تقول لي بأنّ دمع الأرملة الثكلى العراقيّة لا تنقطِع حرارته عن فؤادها و أنّ صوتها و هي تحكي قصّتها يصمّ أذنها عن أصوات الفرح المُبهرَجِ.. وتردفُ:

- و نحن نشربُ عصير الفواكه البارد على طاولتنا المريحة هذه أشعُر بجفافٍ تتشقّقُ لهُ حنجرتي و صورة أطفال بلاد افريقيا السمراء تتداعى إلى مخيّلتي و العطشُ مازال يقتُلهم.. فعن أيّ سعادةٍ بربكِ تبحثين ؟!

يشتعِلُ غضبُها وهي تروي لي أحوال الكنانة و بلاد الشام و بلاد الرافدين و أرض اليمن و بلدانًا نائية بالكادِ نسمع عنها و شعوبًا تعاني في صمت قاتل ..
قُلتُ لها:

- و هل البكاء نصيبُنا الذي لا انفكاك منه؟ و هل حمل جرار الأحزان قسمتنا التي لا بُدَّ أن نرضى بها ؟
مللتُ هذا الحُزنَ المُدقَعَ الذي يُردينا إلى أعماق الضعفِ الهاوِيَةِ.. أنا أعرفُ كلّ القصص التي تحكين لكن نبضي مازال يصبُو إلى السعادة.. انتظارالسعادة حتّى تأتينا دُفعَة واحدة تغسل كلّ أتراحِنا و تُنسينا كلّ الخسارات لن يعطينا إلّا عجزا و غرقًا في الأوهام و الأماني المُزيّفةِ.. لماذا لا نبحثُ عن وقود الطريق في الأمور البسيطة. السعادةُ رُبّما سكنت تفاصيلنا الصغيرة رغم كلّ الشجون التي تُحِيط بنا..
الخسارة العُظمى ليس ما يُحيطُ بنا، إنّما خسارتنا يوم نرمِي أسلِحَتَنا وو نتوشّح حدادًا أبديّا يسرق شغفنا و دهشتنا و اندفاعنا لانجاز أمورنا الصغيرة التي تملأنا بالمعنى و تشحننا بعزم يقول لنا أنّنا قادرون على التقدّم و على طيّ انكساراتنا ما دمنا لا نخذل أنفسنا..
السعادةُ ليست فرحًا مُضلّا يُعمينا عن أحزاننا إنّما تصديقُ أنفسُنا بأنّها تستحقّ أن تكون نبراسًا مُضيئا و الإيمانُ بأنّنا أتينا لنكون جسرا نحو الأحلام؛ فليسَ مُهمّا أن ندرك تحقّق الحلم إنّما الأهمّ هو العمل من أجله و التلذّذ بذلك رغم الأصوات المجروحة و القلوب الموجوعة و هل تكونُ رحلة دونَ تعبٍ ؟!

- و ما السعادةُ إلّا لونٌ من ألوان الرضى. فهل راضيةٌ أنت عن مصائبنا الصغيرة و هولِ ما نعيش ؟؟
عن أيّ سعادة يُمكِن الحديثُ و نحنُ نتجرّعُ المرارة من خيانة القريب و بطش البعيد ؟؟

- لكنّني لستُ قانطةً و لا أريدُ لليأس أن يأكُلَ قلبي فأقتُل لحظاتي.. أن نحمِلَ أحزانَ الآخرين و همومهم حتّى تكبُرَ أنفسَنا و تنثُرَ ما اسطاعت من جمال يُرمّمُ الأنفس المنكسرة فتعودَ لدورة الحياة تغزِلُ أحلاما للآتين و تمسحُ دمعهم قبل نزوله.. السعادة ألّا نُورّثَ آلامنا للخارجين من أصلابنا.. السعادة ألّا نزرع دروبهم عجزا.. السعادة طريقُ المعنى و غوصٌ في المكنوناتِ و تثمينٌ للحظات و إيمانٌ بالسير..
السعادة دربٌ و ليست هدفًا.. السعادة أبسَطُ من فلسفاتنا الواهية..


..
الحامة
28-07-2016
س 19

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مُروركم يُسعدني.. :)

دليلُ محبّتكم الفعّالة لطفلكم في عامه الأوّل

لأنّكم رفاق العُمر قبل بدايته، لأنّكم الأرض الأولى التي يزرع فيها الطفل خطواته، لأنّكم من ترمون حجر الأساس في بناءِ الرحلةِ الذي ترجون ك...