السبت، 27 أغسطس 2016

مشهد (3)


أذكر رعشةَ أنامِلها و هي تدفَعُ لي بالرسالة التي كتبتها ليلتها، ثمّ رفعت سلمى عينيها أينَ يسكُنُ الشجنُ مُتربّعًا مَلِكًا لا يُسابقُه الفرح الطفوليّ الذي لا ينطفئ فيهما و لا وميض الحُبّ الذي لا يذبُلُ رغمَ ما ذاقَ قلبُها. قالت:
- صفيّة، لو تعلمين كم أتألّمُ و كم أرتاحُ كلّما كتبتُ إليه. أكتُبُ لأُنهِي ضجيجًا يُحدِثُهُ في داخِلي و أنا في قمّة انهماكي بُدنيا تضجُّ بالتفاصيل. لكنّ صوتَهُ يعلو على كلّ الأصوات. على الورقة أصبّ صوته الذي يأتيني من كلّ صوب حتّى أحرّر مسمعي فأصغي إلى حكايات أخرى تطرق أبوابي. اقرئيها بروحِكِ -صفيّة- لعلّكِ تملئين فراغاتٍ لم أُفلِح في أن أسكب فيها المعنى بالحديث. قُلتُ لكِ كثيرًا أنّ القلمَ يُسعفُني في الافصاح أكثر من الحديث و من أيّ شيء آخر؛ القلمُ عندي بمنزلة هارون لمُوسَى عندما سأل ربّه: ("وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي") (28 -34). اقرئيها بروحِكِ صفيّة !

" وجها لوجه وقفتُ اليوم أرى كم أنصفتُكَ و كم ظلمتُكَ.
وقفت أريد أن أفرَغَ منك حتّى لا تُحاصِرني كلّما هممت بالإخلاص لعمل ما، تُخالطُ ذِكراك كلّ حكاية هممت بنسجها أو أمر قرّرت صنعه..
وقفت أريد أن أنهي ثأرا بيني و بينك تركته للأيّام فلم تطفئ نيرانه بل أوقدت نورا خافتا يدلّني على ذكرياتنا كلّما أقنعتُ نفسي بالنسيان.
هل هو الحنين ؟ هل هو زيغٌ يُراودني بأن يرجِعَ ما كان كأنّ ما كان لم يكُن ؟ هل هو الشوق ؟ هل هو وِزرٌ أريد له أن يذوبَ من صدري ؟..
دعنا من كلّ هذا. كنت أقول أنّني رغم كلّ الذي كان أريدُ أن أنصِفُكَ و لا أريدُ لغضبي أن يدفعني لظلمك. أنا أكره الظلم و قرّرت أن أنتصر عن نفسي التي تبرّر لي ظلمَ من ظلموني. أنا أكره أن أَظلِمَ كما أكرَهُ أن أُظلم. لكن كيف ظلمتك أنا ربّما تسأل ؟
بالظنون التي أنسِج كلّما فتكت بي أسئلة لا أملك إجاباتها.
باستحضار صورتك في كلّ حديث عن الخيبة و الخذلان و الجبن.
بتشبّثي أنّك سلكت الخيار الأخطأ و الجارح لي.
أنا أحيطُ عِلما بتفاصيل كثيرة و أعلم كيف جرت الأحداث. لكنّني لن أبلغ القدرة -مهما علا إحساسي- أن أكُونَكَ في تلك اللحظة الفارقة، أو في تلك الأوقات التي سبقتها و التي ربّما لم أعلم عنها شيئا !
المُهمّ أنا لن أكونَ ظالمةً مهما كلّفني الأمر، بل لن يُكلّفني الأمر إلّا براحًا في قلبي و خفّة في روحي !" .... سلمَى.

..
الحامة
27-08-2016
س 18.15

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مُروركم يُسعدني.. :)

دليلُ محبّتكم الفعّالة لطفلكم في عامه الأوّل

لأنّكم رفاق العُمر قبل بدايته، لأنّكم الأرض الأولى التي يزرع فيها الطفل خطواته، لأنّكم من ترمون حجر الأساس في بناءِ الرحلةِ الذي ترجون ك...