الخميس، 4 ديسمبر 2014

..إنّهم يتربّصون بالثّورة !


إنّ ما يُؤرّقني اليوم و يثير مخاوفي ليس ما تمرّ به بلادنا من أوضاعٍ صِعابٍ وأزمات لا تُدْرَكُ بدايتها من خواتيمها بل هي مُسلسل من العُقد التّي حُبكت فتتالت و تنوّعت؛ فها نحن نستيقظ كلّ يوم على وقع قضيّة جديدة تُنافس الّتي سبقتها في الإثارة و الخطورة فتُنسينا حكايةً سَلفتها أو تُعمّق فاجعتنا بالأولى.. قضايا تلوّح بنا في متاهة من التّساؤلات و دوّامة من الشبهات و التُّرَّهات، دوّامة عميقة لا يُعرف لها قرار تستنزف تفكيرنا و تكاد تُتلف إدراكنا و تَتِيه بوعينا.

إنّ قلقي وجزعي اليوم كبيرين من أن يستحوذ علينا اليأس و يحلّ بنا العجز و الكسل و أن يضيق بنا الدّرب حتّى لا نَعُدْ قادرين حتّى على إبصار ما تقدّم منه، بل نرى منه فقط خُطواتنا المتخلّفةٍ فيُغَرِّرُ بنا التّمنّي أن نستريح في بعض حرٍّ على أن نقتات في هذا القيظ !
هل يُغَرَّرُ بنا بعد أن فككنا سلاسل الأسر و أمطنا اللّثام على أفواه كُمِّمت و أيقظنا عقولا دُجِلت بالقمع؟ هل يخدعوننا بالقول بعد أن انتفضنا: أن اقعدوا ففي القعود سكينة و استقرار!.. ما بالكم زمجرتم كالرّعد دون غيث؟! وَيْكأنّكم غنمٌ ضيّعت درب راعيها و شردت تبغي مرعًى أكثر خُضرة و أرحب مرتعًا. ويحكُم أما علمتم أنّ الذّئب يأكل من الغنم القاصية !! ...
أ يملئ زَعْمُهُم مسامعنا و نعضّ الأنامل على يوم بهيج صدحت فيه حناجرنا "خبر و ماء و بن علي لا".. أ نستدرك القول! أ نجهر بعبارات ندمنا؛ لا حاجة لنا بهذه الثّورة بل هذه الفوضى ! نحن نُريد فقط رمقًا من الاستقرار و لو كان مُلطّخا بالقهر و الظلم و دماء الثائرين الذين ما استكانوا يوما !.. لكن أ نعود على أعقابنا بهذه السرعة ؟!!
من سيُعلِن استسلامه بهذه العجلة قطعا هو لم يعرف يوما ساحة الوغى و لم تألفها قدماه. إنّ من يُطلق اليوم عنان لسانه بالشّكوى و التّـشكي لم يعرف ما الخصاصة الحقّ، لم يعلم أنّ أنفس ما يُسلب من المرء هو كرامته و إرادته. الخصاصة أن يعيش الإنسان المكرّم من ربّه عبدًا، طموحاته و أحلامه و أفكاره كلّها لها سقف يَحُدّها و يردعها.. إنّ من يُولوِلُ اليوم ذُعرًا تترامى ألهبة الإنذارات و التخوُفات من فِيهِ في كلّ صوبٍ و حدبٍ، لم يتذوّق شيئا من الهلعِ على أهلٍ نُكِّل بهم و عرضٍ أُستُبيح و زوجٍ هُجِّر و ابنٍ شُرّد.. إنّ من يرفعون أصواتهم اليوم أنِ الاستقرار أوّلا، قد استقرّوا دهرًا في اللذات و انغمسوا في سكينة مُلوّثةٍ بأنّات المظلومين و صيحات المُعذّبين. و من يُجابه الصعاب اليوم و يختار النّصب على حطّ الرّحال - بل حطّ الهِمم – ما ضاق الاستقرار فينةً من الدّهر، إنّما الثّورة بصيصُ أمل أعلمهُ عن استقرار طالما تاق إليه.
الثّورة مكسب لمن يعرف حظّها، لمن روحه حرّة، لمن أوقد العمر شعلة حماس و جهاد في عتمات الظّلم و القهر.. الثّورة زهرة لن يطيق شوكها إلّا من يستنشق طِيبها و به يَتنعَّمُ. أمّا المستكينون و الضّعفاء و المُتقوقعون على مصالحهم فالثّورة عليهم نَقمةٌ؛ ها هم يتخبّطون يتلعثمون في خُطاهُم.. و لهم أهدي القول: "عجلة الزّمن لا تدور أبدا إلى الوراء بل إلى الأمام، إلى الأمام.. !"
عاشت الثّورة في نفوسنا متُقدة.. سلمت سواعدُ من ابتغوا السّير الحثيث في طريقها؛ طريق النّور الّذي به نهتدي و لن نضلّ بإذن ربّنا!

10/05/2013

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مُروركم يُسعدني.. :)

دليلُ محبّتكم الفعّالة لطفلكم في عامه الأوّل

لأنّكم رفاق العُمر قبل بدايته، لأنّكم الأرض الأولى التي يزرع فيها الطفل خطواته، لأنّكم من ترمون حجر الأساس في بناءِ الرحلةِ الذي ترجون ك...