الخميس، 11 نوفمبر 2021

دليلُ محبّتكم الفعّالة لطفلكم في عامه الأوّل


لأنّكم رفاق العُمر قبل بدايته، لأنّكم الأرض الأولى التي يزرع فيها الطفل خطواته، لأنّكم من ترمون حجر الأساس في بناءِ الرحلةِ الذي ترجون كثيرا أن يكون صرحا عظيما بالنجاحات، لأنّكم اليد الأولى التي تأخذهم ليَلِجُوا في العالم ويكونون عنصرا مميّزا فاعلا فيه. وجب أن تستعدّوا أحسن استعداد لهذه المهمّة وتتسلّحوا بالمعرفة التّي تترجِمُ عواطفكم الجيّاشة تُجاه أبنائكم إلى أفعالٍ بنّاءة.

هل فكّرتم يوما كيف تبنُونَ علاقة متينة بين ألعاب أطفالكم وتطوّر حواسهم وتعزيز قدراتهم الإدراكيّة لإنشاء طفل مميّز ؟
إذا كنتم تفكّرون في هذا فإنّا ندعوكم لمتابعة قراءة المقال الذي يُلخّص أبرز التطوّرات الحسيّة والحركيّة والإدراكيّة لدى الرضيع من شهره الأوّل حتّى عامه الأوّل، ويقترح أنشطة وألعابا تعزّزها.


https://4.bp.blogspot.com/-rEOVhjtc5yM/WlXrV7ysfzI/AAAAAAAABkE/-pbey6x8wxgmExhnduRp9_9OeY9TLKwpQCLcBGAs/s400/Pr%25C3%25A9sentation2.tif



يتّفق الأطبّاء والباحثون أنّ الطفل يولد مكتمل الأعضاء والحواس.  غير أنّ الأشهر الأولى هي الزّمن المناسب لتعزيز حواسه وتطويرها إلى كفاءاتٍ.

في الشهر الأوّل تكون رؤية الرضيع محدودة (حوالي 30 صم أمامه، وتمثّل هذه المسافة تقريبا المسافة بين عيني الأمّ وثدييها)، كما أنّه لا يميّز إلّا التباينات القويّة كالأبيض والأسود (يفرّق بين الضوء والظلام). فالطفل يخرج من فضاء مظلم نحو عالم مليء بالنّور لذلك فهو يحتاج لفترة للتكيّف وللتدريب. يقترح أحد أخصّائيّو منهج مونتسوري (*) تعليق أشكال بيضاء وسوداء وكرة زجاجيّة عاكسة للضوء التي يمكن تثبيتها أو تقديمها للرضيع من وقت لآخر لإثارة انتباهه وتدريبه على تركيز بصره.


https://2.bp.blogspot.com/-VXqeX05Pt84/Wk9IUn3CrDI/AAAAAAAABhA/QQAghcdctlMBBSEZ2onNN3svZ8OgnnKEACLcBGAs/s320/20130522_111622_resized_2.jpg


في الشهر الثاني يتطوّر بصر الطفل ليميّز بين الألوان وحركات الأشياء، ولتعزيز هذه المهارة عنده يمكن تعليق مجسّمات هندسيّة  ذات أوجه متعدّدة مصنوعة من أوراق ملوّنة لامعة تعكس الضوء أثناء تحرّكها. 

https://2.bp.blogspot.com/-KB15Mf9XUpg/Wk9J95v1iVI/AAAAAAAABhM/Hb4_FY4o32sNM-mIQwxk1h4NsjtdCOXXQCLcBGAs/s320/Monstrori.JPG



قُبيل الشهر الرابع يبدأ الطفل في رؤية الصورة بوضوح ويستطيع التمييز بين ألوانها. في هذه الفترة يُدَرَّبُ الطفل على التفرقة بين تدرّجات الألوان والمسافات القريبة والبعيدة في الصورة لتنشيط عمل حدقة العين عنده وتقوية ملاحظته. من بين الأنشطة التي تُساعدد على اكتساب هذه المهارات:  تعليق كرات صوفيّة متدرّجة اللّون والطول حيث تكون الأطول هي الأغمق (تُعرف هذه اللعبة ب  Gobbi mobile في منهج مونستوري). 

https://1.bp.blogspot.com/-8araednr2mA/Wk9OzupYUNI/AAAAAAAABhc/EeprW-26_uAmEUHvNzLDtt3W0dWF-nU-wCLcBGAs/s320/Gobbi-Mobile-03.jpg


لتنمية التركيز لدى الطفل وتقوية الملاحظة عنده يمكن استعمال لعبة "الراقصون المتحرّكون" (Dancers mobile كما تُدعى في منهج مونتسوري) وهي أشكال لأشخاص مصنوعة من ورق خفيف ملوّن ولمّاع تعلّق في محيط الطفل.


https://3.bp.blogspot.com/-P_fJz4oAgc0/Wk9S6WrCEnI/AAAAAAAABho/qChGZ22Ov1YlUG_v2gXsF2bVQ5DnADxIgCLcBGAs/s320/dancers%2Bmobile%2Bmontsori.jpg


إضافة إلى تطوّر حاسّة البصر، حوالي الشّهر الرّابع يمكننا الحديث أيضا على التطوّر الحركي لدى الطّفل فحينها تبدأ الدوائر العصبيّة الأوليّة المسؤولة عن التناسق الحركي للجسم  أكثر استعدادا للنّموّ. في هذه الفترة يبدأ الرضيع بتحريك يديه والقبض على الأشياء. يمكن تطوير هذه المَلَكَةِ إلى مهارة من خلال أنشطة متنوّعة؛ على سبيل المثال يمكن تعليق كرات أو أشكال تحتوي على أجراس على مسافة ما من الصغير وندرّب الطفل على تحريك يديه باتّجاهها ليسمع النغمات التي تُصدرها، ويشعر  بملمسها.


https://3.bp.blogspot.com/-UU7hYaCbs5s/WlH5IWa35kI/AAAAAAAABiE/VVNjx8w8TuAEYT05wqpge8chQjja7OR5wCLcBGAs/s320/il_570xN.357805300_ar1r.jpg


يمكن أيضا اعطاء الطفل بعض الأحجام الهندسيّة المتنوّعة كالكرة والمكعّب المصنوعة من النسيج أو الخشب الخفيف أو البلاستيك النّظيف... ليتدرّب على إمساكها بتحكّم وسيطرة.


مع العِلم أنّ  النشاطات البدنية لا تخدم فقط التناسق الحركي للطفل، ولكن أيضا تساهم في تنمية الدوائر الأساسيّة للدّماغ التي تنشط أساسا في الأعمال عالية درجة التحكّم كالعزف والأعمال اليدويّة الدقيقة. 

وإذا ما انتهى الشهر السادس والطفل مكتسب قدرا كافيا من توازن حركاته للتحكّم  في الأشياء من حوله، انطلقت مرحلة تطوير الوعي لدى الطفل. ففي الشهر السابع يحتاج الطفل لإشباع ملكة حبّ الاكتشاف لهذا السبب يمكن أن نتركه يتفاعل مع أدوات حقيقيّة مصنوعة من مواد مناسبة لعمره. على سبيل المثال: ملعقة خشبيّة، فرشاة، صندوق مصنوع من المعدن الخفيف، كتاب قماشي أو ورقي (ورق مقوّى).. يُنصح جدّا بتوفير كتب جذّابة الألوان مصنوعة من القماش أو من الورق المقوّى التّي تحتوى صور مجسّمة يمكن للطفل إكتشافها من خلال اللّمس. كما  أنّ هذا العمر (أي منذ بداية الشهر السابع) هو ليس عمرا مبكّرا أبدا لمشاركة الطفل في القراءة فيمكن القراءة للطفل بصوت تفاعليّ يعزّز الإنصات عنده. 

  
https://3.bp.blogspot.com/-zY4MUuGBvpY/WlIFpD4cI8I/AAAAAAAABiU/2zPSMyKm9m4MvdRmuh9RYrwyUvXI4jVsgCLcBGAs/s320/dev_milestones_literacy_boy_mom.jpg


حوالي الشهر الثامن تكون الاتّصالات العصبيّة أكثر تأهّبا للتشابك فيما بينها. فعند الولادة يمتلك الطفل حوالي مائة مليار خليّة عصبيّة، في السنة الأولى وحسب التقريب في الشهر الثامن تكون هذه الخلايا أكثر استعدادا للاتّصال فيما بينها مكوّنة تشابكات عصبيّة داخل المخّ. يمكن تفسير هذه التشابكات العصبيّة في هذا المثال البسيط: إذا قام الطفل بملاحظة كرة صفراء تدور أمام طاولة فإن عقله ينقل لون الكرة وشكلها وحركتها وموقعها إلى أربع مناطق منفصلة في دماغه. في هذه الفترة يحبّذ إغتنام الفرص لتنمية خبرات الطفل منها خاصّة التآزر الحركي البصريّ  والتناسق العضلي. من بين الأنشطة المساعدة لتنمية هذه المَلكات:زحف الطفل على أطرافه الأربع (لهذا ينصح بتجنّب استعمال عربة المشي أو ما يعرف بـ "المشاية")، كذلك لعبة الكرة والكوب حيث يحاول الطفل مثلا إدخال الكوب. في هذا النشاط يوجه عضلات يديه لفعل أمر ما باستعمال المعلومات التي ترد إلى مخّه عن طريق عينه.
في الشهر الثامن أيضا يتطوّر إدراك الطفل من خلال مشاهداته ليبدأ بالفهم أنّ الأشياء توجد حتّى لو كانت خارج حقل رؤيته ويُعرف هذا ب قانون بقاء الأشياء. يمكن تدريب الطفل على تطوير هذا الإدراك من خلال تشجيعه على البحث عن الأشياء البعيدة عن منطقة رؤيته بتخبئة اللعب مثلا تحت القماش وإخراجها بعد فترة أو تخبئة الوجه باليدين ثمّ كشفه فيندهش الطفل بالنتيجة. من بين أنشطة منهج مونتسوري المقترحة لتعزيز هذه ملكة: "صناديق بقاء المادة" (كما تشيرالصورة أدناه يضع الطفل الكرة في فتحة من الصندوق فتختفي لفترة زمنيّة وجيزة ثمّ تظهر فيندهش الطفل ويبدأ بالإدراك أنّ الأشياء يمكن أن تغيب عن بصرها دون أن تفنى)

https://2.bp.blogspot.com/-oWnu6Up9N1Y/WlMVh9ct2JI/AAAAAAAABjM/7eDRlAo5dRAIxtdxY1oVDa3nUoF6KymfwCLcBGAs/s320/NAMC-Developing-Object-Permanence2%2B%25281%2529.jpg




مع  حلول الشهر العاشر وإلى نهاية العام الأوّل يبدأ الطفل بالوعي أنّ للأشياء حوله وظائف وتُثير هذه الملَكة عنده اندهاشا عند تعامله مع الأشياء. يجب الوعي بهذه الخبرة للطفل وتنميتها حتّى يتمكّن من تكوين علائقيّة جيّدة بمحيطه.
يبدأ الطفل مثلا في استعمال لعبة الهاتف في الحديث، والكأس للشرب والملعقة ليحمل الطعام إلى فمه.
في هذه الفترة العمريّة، يبدأ الطفل بالتدرّب على الوقوف بالاتّكاء على الكراسي والطاولة أو أيّ شي يعترضه لتعزيز هذه الخِبرة الجديدة التي أضيفت إلى قُدراته. يمكن توفير دعامة خشبيّة أفقيّة تحيط بجدران غرفة واسعة ويُحبّذ لو وجدت مرآة في الغرفة لأنّها ستساعد الطفل في مراقبة نفسه وتعزيز العلاقة البصريّة الحركيّة في مخّه وممّا ينتج عليه حركات أكثر توازنا.


لا يُنصَحُ باستعمال عربة المشي لأنّها لا تدرّب الطفل الاعتماد على عضلات رجليه وهي مهارة يكتسبها من خلال التوافق العصبيّ العضليّ. يمكن توفير عربة صغيرة ذات أربع عجلات توضع فيها الألعاب فيدفعها الطفل معتمدا على عضلات رجليه اعتمادا كاملا. 


يعتبر العام الأوّل للطفل فترة اغتنام الفرص لتنمية معظم الوظائف الحسيّة والحركيّة والسلوكيّة. ففي العام الأوّل تبلغ الاتصالات العصبية أوجها وتكون أكثر جاهزيّة للتواصل مع البيئة المحيطة، وعن هذا يقول أحد الباحثين: "و كأن هناك بعض النوافذ المميزة فى أدمغتنا تفتح على مصراعيها فى فترات معينة". لهذا يجب استغلال هذه الفترة العمريّة لاكتساب المهارات وتطويرها والتّي من شأنها أن تنمّي عمل الدّماغ.
تطوير ملكات الطفل إلى مهارات تضمن له نشأة سليمة متوازنة يُدرك بها أدواره في الحياة ويبني من خلالها علاقة قائمة على الفهم والتصالح مع بيئته.

....
(*) منهج مونتيسوري: نسبة إلى ماريا مونتيسوري وهي طبيبة وفيلسوفة ومربّية إيطاليّة. شكّلت -من خلال تجربتها كطبيبة للأطفال- نظريّة منفردة في التعليم تقوم على التربية الذاتيّة للطفل أي أنّ الطفل يعلّم نفسه من خلال ما يقوم به من نشاطات.




المصادر:


http://montessoritraining.blogspot.ca/2013/07/traditional-montessori-materials-infant-toddler-environment.html


http://montessoritraining.blogspot.com/2014/01/develop-object-permanence-montessori-infants-toddlers_22.html


https://www.healthychildren.org/English/ages-stages/baby/Pages/Cognitive-Development-8-to-12-Months.aspx


http://www.thesuccessfulparent.com/categories/infancy-preschool/item/talking-to-babies#.WlXNPpwrLIU


http://kgoo.blogspot.com/2014/09/6.html


http://ida2at-2033742816.eu-central-1.elb.amazonaws.com/your-guide-to-your-child-s-activities-from-birth-until-the-first-year/


http://www.earlychildhoodnews.com/earlychildhood/article_view.aspx?ArticleID=360

الأربعاء، 24 أكتوبر 2018

في مهمّة


فتحت الخزانة لتضع الثياب النظيفة التي طوتها للتوّ، فإذا بورقة تسقط حال فتح الباب لا تعلم أين كانت تختبئ. نصّ رقدت حروفه فوق الورقة حيث جف حبره حتى بان أنّه عتيق. قفزت عيناها على حبل الفضول فتوزعت نظراتها على أطراف النص تحاول أن تلم بموضوعه من خلال عباراته المتناثرة بين السطور. فهمت أن زوجها من كتب النص وأنها هي المخاطبة  وأن الموضوع على الأرجح إعتذار عن أمر ما، . ذهب عقلها سريعا يسأل الذاكرة عن موقف يكون سببا لسيلان مداد هذه الرسالة. لكنّ عقلها عاد خائبا بلا جوابٍ. فكلّ الأمور تجري على ما يرام وحتّى تلك المنغصات التي تحصل بين كلّ الأزواج فإنّهما قد تعوّدا أن يحلّاها إثر وقوعها حتّى  يواصلا السير متخفّفين منها.
وضعت الثّياب وجلست تقرأ النّص بملء تركيزها.

" أكتب هذه الرسالة وأنا لا أعرف من تكونين ولا أين..
بلى، أعرف من تكونين. أنت التي سترافقني زمنا يطول أو يقصر. وللرفقة سنن وأهمّ سننها الصّبر. فهل ستصبرين وتفهمين أنّني لن أكون لك وحدك لأنّي لست لي أصلا. أنا أيّتها الرفيقة في مهمّة وكم أرجو أن تكوني نذير غفوتي إذا طالت.
هذه المهمّة تقتضي سيرا حثيثا وسهرا متواصلا وخطوا كادحا. هذه المهمّة تريد مني انتباها لا يفتر وإستعدادا لا يملّ. فلا تطلبي منّي ركونا للدفء وللراحة ولا تدعونني للقعود أو الرقود.
لا يأخذك التذمّر أيّتها الرفيقة الصديقة عن فحوى هذه المهمة. إنّها مهمّة الإنسان في هذه الحياة.
أعتذر عن ركضي الذي لن يلتفت لتعبك في بعض الأحيان.
أعتذر عن صمتي عندما أنغمس في فعل مركّز أستجمع له كلّ تركيزي. وأعتذر عن ثرثرتي عندما تصيبني حمّى فكرة نبيلة أبحث عن سبل تحقيقها في الميدان.
أعتذر عن نسياني لتفاصيلنا عندما تثقلني أغصان الفكرة المتفرّعة مآلات وأسبابا وسبلا..
أعتذر عن كلّ أمر تلقينه منّي أيّتها الصّديقة، فلا تطيقه روحك.. لكنّي لن أعذُر نفسي إذا خذلت وُدَّنا  لأنّي لن أعود بذلك صاحب المهمّة العظيمة."






الصورة: photography Michael Shainblum

الجمعة، 17 أغسطس 2018

تأمّل في سورة الكهف


يمكن أن تُقسم السورة إلى 7 أجزاء:

1- من الآية (1) إلى الآية (26)
قصّة أصحاب الكهف

2- من الآية (27) إلى الآية (31)
خطاب إلهيّ للمؤمنين لتثبيتهم من خلال توخّي بعض الأفعال ("اتل"، "اصبر"، "قل الحقّ.."،...) وتبشيرهم بخير مآل.
جاء هذا الخطاب مباشرة إثر قصّة أصحاب الكهف مباشرة كأنّه عزاء لكلّ من آمن وثبت.

3- من الآية (32) إلى الآية (43) أو (44)
قصّة صاحبا الجنّتان

4-من الآية (44) إلى الآية (59)
وصف لأفعال المعرضين المتكبّرين وتحذير شديد لهم جزاء تكبّرهم.
جاء تحذير أهل الكِبر معقّبا على قصّة صاحبا الجنّتين كأنّه توضيحيّ لمآل كلّ متكبّر (مثل أحد الصاحبين).

5- من الآية (60) إلى الآية (82)
قصّة موسى والعبد الصالح:
*البداية: السعي الحثيث والعزم للوصول للهدف.
*الجوهر: السؤال أمام كلّ مشهد = لا يوجد مساحة تأمّل بين المشهد والدرس.
*الخاتمة: الفُراق = نهاية الصًّحبة: السبب= عدم الوفاء بالعهد ("لا أعصي لك أمرا"، "صابرا")

6- من الآية (83) إلى الآية (99)
قصّة ذو القرنين
المشهد العامّ: الصّرامة، القوّة، الوضوح =الفِعل المباشر؛ ليس هناك مآلات مخفيّة.
عكس قصّة موسى والعبد الصّالح التي يمكن الملاحظة أنّ عناصرها نوعان:

العناصر المخفية
العناصر الظاهرة
الملك والمساكين
السفينة
الأبوان المؤمنان
الغلام
الكنز والغلامان اليتيمان والأب الصالح
الجدار

=> العناصر الظاهرة يتمّ التّعامل معهم بعكس ما يظنّه أو ينتظره صاحب العقل المُصلح ويرى أنّه الخير. لماذا؟ = لإصلاح أمر أجلّ غير جليّ للأبصار.
أمّا "ذو القرنين" فإنّه يضرب بقوّة عدوّ مباشرا غير ملتبس بأمور أخرى.

=> يمكن أن نستنتج أنّه هناك أسلوبان مختلفان لمُحاربة الفساد:
1- قطع الطريق على المفسدة الكبرى من خلال ارتكاب ضرر ما يمكن اعتباره أهون = اختلاط الأطراف المعنيّة وتداخل علاقاتها.
2- صرب الفساد مباشرة وقطع دابره (وضوح الطرف وبساطة العلاقات في المشهد)

7- من الآية (100) إلى الآية (110: نهاية السورة)
*تحذير شديد للكافرين ووصف لأعمالهم التي ستؤول بهم لأسوء الأحوال، ثمّ إقرار لحال المؤمنين.
*العلم اللامحدود واللامتناهي لله.

...
نلاحظ أنّ مفهوم الصّحبة اختلف في قصص السورة، فنجد:
1- الصحبة الصالحة: مصدر ثبات وقوّة في المصاعب.
2- الصحبة الناصحة: صوت الضمير عندما يعلو صوت النفس ويتضخّم حبّ الدنيا.
3- صحبة أهل العِلم: الإحسان فيها من خلال الصّبر وعدم الاستعجال والتأمّل.


....
17-08-2018


الاثنين، 11 يونيو 2018

خواطر عن معنى "العفو"




ينتظر المسلمون في العشر الأواخر من رمضان  "ليلة القدر"، الليلة التي عرّفها الله في القرآن بأنّها " خير من ألف شهر" فهي التي نزل فيها القرآن بقوله تعالى "إنّا أنزلناه في ليلة القدر". في هذه الليلة المباركة،  يستحبّ ترديد دعاء مأثور للرسول محمّد صلى الله عليه وسلم:  "اللّهم إنّك عفو تحب العفو فاعف عنّا". مركزية "العفو"  في دعاء يخصّ هذي الأيام  المركزية بالنسبة للمسلمين تدعو للتفكّر، فأيّ معانٍ يحملها مفهوم "العفو" حتّى يكون حاضرا بارزا في زمان أخير؟

لنا أن نتذكر بداية  أنّ من أسماء الله "العَفُوّ" -وهو إسم فاعل مبني على المبالغة، ومعنى العفو فيه أساسا هو التجاوز عن الذنب وترك العقاب عليه. يأتي هذا الإسم ليؤكد مع آيات عديدة من القرآن أن العفو وعد الله لعباده الذين يرجعون عن الخطأ. وأنه ككل إسم من أسماء الخالق تشتق منه القيم الإنسانية التي تنظم العلاقات بين البشر وتقومها. 
فعندما كتب الله على نفسه العفو،  فإنه دل العباد عليه ليكون قيمة تحكم علاقتهم ببعضهم.

أمّا لغة؛ فإنّ من معاني العفو في لسان العرب أنّه محو الآثار، وهو الفضل الذي يجيء بغير كلفة ووفرة العطاء وأجوده وهو السهولة دون المشقّة... من هذه المعاني يمكن البدء في تلمّس الطريق لأهميّة هذه القيمة المركز: "العفو".

فإن كان العفو  طمسا لآثار سيء الأعمال فهو يهدف لبناء مجتمع تتقلّص فيه الطاقة السلبيّة الموجّهة نحو التباغض، لتتكاتف الجهود في البحث عن سبل العيش المشترك في إحترام وكرامة وحقّ. والعفو هو القيمة المُقسطة لإنسانيّة الإنسان وهو يخوض معاركه الحياتيّة فــ “الانخراط في نضالات مشروعة من أجل الحق والعدل يجب ألا ينسينا قيم العفو والفضل" على قول الدكتورة هبة رءوف عزت (في كتابها: في ظلال رمضان").

والعفو ليس ما يجُرّ إلى السكوت عن الظلم والتسامح مع الفساد، إنّما هو قيمة نبيلة يقدم عليها كرماء الأنفس بعد إقرار الحقوق وتحمّل كلّ فرد مسؤوليته في الفعل. فالعفو يكون على المقرين بأخطائهم والمقدمين الوعد بعدم الرجوع إليها. العفو نور يشير إلى سواء الطريق إذا حَلُك دجى التطاحن واشتدّ وطء الإنتقام. العفو هو العقل الذي يقود السفينة بحكمة إذا هاجت عاصفة صراعات مجتمعيّة أسعرتها الأنانيّة والكراهيّة.

وإذا ما دققنا النظر في معاني العفو من سهولة وفضل لوجدنا أن توازن الفرد والمجتمع يقتضيها؛ فبالعفو تتخفف الأرواح ويسهل سيرها دون أوزار تثبطها عن تصريف مجهوداتها في الدروب البناءة. وبالعفو تتسع الأنفس وترتقي عن مطالبها الصغيرة نحو الغايات الكبيرة فينطفئ غضبها لنفسها، لكن لا يخبو غضبها من أجل فكرة تصدح بالحق. وبالعفو يصبح المرء أقوى فهو الذي تمكن من فتح أبواب روحه على مصرعيها فإذا بنسائم إنسانيته العابقة تفوح. فليس مرمى المرء خطايا غيره، بل هدفه محو الخطيئة وتطهير آثارها فهي كالجرح إن لم يطهر -رغم الألم-  فإن نزفه لن يتوقف وإن توارت عن العيون الدماء.

العفو الذي هو نبت راسخ في ليلة مُخيّرة عن ألف ليلة  يُحدّثنا أن ما يُدرَكُ بالعفو يُغني عن سير ثقيل في دروب مضنية نائية. هذا الإختصار الزمانيّ يخبرنا أنّه بتذوّق المعنى يتّسع الزّمان وتُختزل طرقات الأوجاع الطويلة.  إنّ العفو يتحقّق بمغالبة النّفس حين تُنكر ذاتها التي تتضخّم فتحجب عنها النّور، وإنكار الذّات هذا يُعلّم المرء كيف ينجو من حبّ نفسه الذي يُفسدها وليس ذاك الحبّ الذي يُهذّبها ويُحسّنها.

هذي المعاني التي تُجمع على أنّ العفو دواء لما يوفّره من مناخ مجتمعيّ سليم وما يتجلّى معه من سعة في نفس المرء ،تتّفق جدّا مع ما توصّلت إليه الدراسات العلميّة النفسيّة التي تحلل العلاقة بين العفو والصحة النفسية والبدنية للإنسان. وصفت أحد الدراسات العفو أنّه "إستراتيجيّة مركّزة على المشاعر" واتفقت مع دراسات أخرى أنّ العفو يقلّل مشاعر العداء ويحدّ من الغضب وبذلك فهو يحمي من المشاعر السلبيّة المتسبّبة أساسا في أمراض القلب والأوعية الدموية. كما أنّه يعفي لإنسان من من خلل في جهاز المناعة تسبّبه التوتّرات والضغوطات الناتجة عن عدم التسامح.

من معاني العفو البارزة الفضل وهو يقدّم فضلا واسعا من نواح مختلفة: نفسية، مجتمعيّة، بدنيّة، روحية... هذه النواحي تتكامل حتّى تُنتج حياة أسمى وأرقى تتجلّى فيها الإنسانيّة عندما تتعافى البشريّة من أمراض تسبّبها حروب زاغت عن بوصلة الحقّ.




الأربعاء، 6 يونيو 2018

قصة قصيرة


يستفتح جلسته على المكتب بفتح دفتره والكتابة إليها؛ رسالة قصيرة تقصّ حكاية تلحّ عليه أو تحدّ يعيشه. ثمّ يرتشف قهوته على لحن تعلّقت به روحها، وحالما تختفي آخر قطرة من فنجان قهوته يضع الفنجان بحركة سريعة يخشى الانغماس في البن الراكد في الأعماق وبذات السرعة يوقف صوت اللحن المنبعث من حاسوبه خاشيا أن يعلق في شباك الذكريات. ينتقل بنقرة سحرية لأعمال معلّقة تنتظر معالجته لها.

هذا هو ديدنه مذ فارقته. لم يتوقّع حجم أربه لها، لم يكن يعلم أنّها ستترك هذه الهوّة التي لم يلق ما يسدّها. عندما كانت في جواره كان يقلقه التفكير فيما يمكن أن يقدّمه لها من رعاية فروحها ذات حساسيّة كبيرة. وها هو اليوم معفى من أن يقدّم لها أيّ شيء غير بعض الحروف التي لا تقرؤها.

ما كان يعلم أنّ الطريق الذي جمعهما سينشقّ بتلك الطريقة الفجئيّة واللامنتظرة. ظنّ أنّها قد تنسحب جرّاء مشكل ما يعترض سيرهما، ظنّ أنّها قد تتركه إثر نقاش ما من أجل إحدى بنات أفكارها التي تتحمّس لهنّ حماسا شديدا، ظنّ أنّ رياح الطريق قد تخفت وهج الوُدّ في صدرها.. لكنّه ما رسم يوما نهاية كتلك النهاية!
كان على سفر منشغلا بأعماله الكثيرة التي طالما كانت سببا في عتابها عليه ومناسبة لرشقه باتهاماتها أن اهتمامه الضئيل لا يناسب البتة اهتمامها الدقيق بشتى تفاصيله. في البداية كان كثيرا ما يغضب من بركان غضبها الذي تفجره الأمور الصغيرة، لكنه اطمئن فيما بعد عندما علم أن غضبها هذا زوبعة في فنجان فشطآن عفوها أرحب من كل غضب. يومها رن هاتفه فإذا باسمها على الشاشة. لم يرد للمرة الأولى والمرة الثانية لأنه كان غارقا بين الأعمال ولن يستطيع أبدا التركيز للتحدث معها. كانت تقول له دائما أن التركيز في أمرين إمتحان يصعب عليه اجتيازه. لكن الحاح الهاتف في الرنين دفعه للإجابة، لعلها تحتاج أمرا مستعجلا كي تخبره به. فتح الهاتف فلم يصله صوتها، أتاه صوت رجل! غمره الذعر ثم صعقته الصدمة عندما تكلم الرجل. إنه رجل الأمن الذي عاين مكان الحادث. حادث مروع انتشلها من بحر الحياة حيث سبحا سويا وسند كل منهما الآخر كلما علت الأمواج واشتد الريح.
لن يستقبل رسائلها بعد اليوم، لن يرفع السماعة ليجبر خاطرها الذي كسره بسوء رعايته، لن يسمعها ألحانه الجديدة التي تعلمها، لن يرسل ها نصا حتى تراجعه، لن يعاندها من أجل حجة منحازة سقتها من عاطفتها المرهفة، لن تعانده من أجل طريق ألح على سلكها، لن تبعث رسالة لا يفتحها لانشغاله ثم ينساها فتتهمه بالاهمال والتقصير ناسية حرصه على إرضائها في مواقف أكبر ، لن يجدها في انتظاره تثرثر له عن تفاصيل يومها وعن الأحلام التي اتقدت لتوها في أعماقها.. لن يحصل كل هذا، في لحظة لم يحسب أنها فارقة أضحى بلا رفيقة.. "ليت الدرب كان أطول حتى تعلمي ما يختلج به القلب لك! ليت العمر كان أوسع حتى أنثر في قلبك طمأنينة لا تسكن أن هذا القلب ما سكنه إلاك! ليت الوقت كان أطول حتى أجلس قبالتك أقتبس من عينيك المعاني الذي دثرتني كلما استرقت منك نظرات عابرة.." ردد القول في سره عشرا وعشرين، لكن أمنياته لم تستحل قط رجاءات!

الثلاثاء، 5 يونيو 2018

مشهد حارق


أيّ كلِمٍ يُخَطُّ أمام هذا المشهد الكَالِم؛ مشهد معقّدة أطرافه التي تكتّلت حتّى تُغرق الزهور في الظلام؟! لكنّ الحروف نهر لا يجفّ. سالت الحروف على وقع سنفونيّة لم ينقطع صوتها الحزين مُذْ البارحة عندما وارى تراب مدينتنا تسعة من شبابها، ووَارت مدن أخرى أعدادا لا أحفظها، يقطع السنفونية غضب مزمجر ينبعث الآن من قناتنا الوطنيّة؛ إنّه مجلس الشعب ينتفض! لا يأخذني الجزع ولا الدهشة، فهي انتفاضته المعتادة التي تعقب كلّ مصيبة.

البحر.. حزينا: 
- لم تكن أحلامكم مُقسِطةً؛ كانت محشوّة بالأوهام التي منها أرضَعُوكم. لهذا كان الضياع في أعماقي الغامضة مصيركم.
من يركبونني علّموني أنّ الأحلام  تتكسّر في المنتصف بالمُقامرة، وأخبروني أنّ الأحلام التي تبدو قريبة أكثر ممّا ينبغي تُعمِي النّفس عن حقائق الطريق.

القارب.. متألّما:
- أنهكني أولئك الكذبة؛ قالوا بأنّ  ظهري حامِلكم وهو الوهِنُ لا طاقة له بذلك. لو كانت لي أجنحة  لحلّقتُ بكم نحو أحلامكم الجميلة! كم كنت أرجو أن أكون آلة تركبونها  فتأكلون من خيرات البحر! كم كرهت أن أكون أداة موت أرميكم -لضعفي- لحما طريّا لحيتان البحر!

الثكلى.. مكلومة:
-آه يا كبدي!! ما كنت أدري أني كنت أخيط كفنك بيدي التي اقترضت لك ثمن الرحلة!

الحَالِمُ الهالك.. آسٍ:
- كان الحُلم يبرق في ظلام دامس. قالوا: "هذا سبيل الوصول، لا تخافنّ أيّها الفتى فبالمال نؤمّن لك الطريق نحو ضفّة خضراء تنسيك أزمان القحط". آه!! لو كنت أدري أنّ الثمن أبهظ من مال الدنيا كلّها! 

الأب.. الموجوع:
- آه لو كنت أبصر هذه اليد التي تزرع  اليأس في أرض روحك الخصبة بنيّ! لقطعتها قبل أن تقطعك يا قطعة منّي؟!

عجوز.. أرهقه المشهد:
- من طعننا بسكّين الفجيعة مجرم، نثر بذوره المسمومة منذ أزمان بعيدة في أرضنا. فأين الفَطِنُ القويّ الذي يقتلعها قبل أن تصبح فجيعتنا في الزهور ديدنا؟


مصدر الصورة: ONU
  

الاثنين، 4 يونيو 2018

بنت الأمازُون



في ضاحية من الضواحي القريبة للشبونة، في حي سكني عائلي أين تتشابه المنازل في شكلها الخارجي متشاركة في قِصَر طول السُّور الخارجي المُمَكِّن الرّائي من مُعاينة الحديقة المحيطة بالبناء مُمَثِّلة جزءا رئيسيّا من الدّار، في المنزل الذي قطنته مع مجموعة من الطالبات، في الغرفة المشتركة حيث تنتصب لوحة خشبية مُعلَّق عليها أوراق حُبِّرَ عليها قوانين العيش المشترك في المنزل ووُضِع تلفاز لا يُذيع إلا القنوات المحلية (البرتغالية) لا تفتحه إلا زميلة برتغالية لمشاهدة صلوات الكنيسة آخر الأسبوع و شُيِّدَت شرفة تحضُنها شجرة الصنوبر المتربّعة وسط الفناء الخلفي للمنزل واِسْتَرخت أريكة مغلّفة بالجلد المتين وجُلِبَت طاولة مُربّعة الشّكل تحيط بها كراسٍ تستعملها فتيات السكن لمراجعة دروسهن أو لتناول المأكولات السريعة؛  هنا، كان لقاؤنا الأول! أتت ليلا بينما كنت أراجع بعض الأعمال على حاسوبي، وقفت قبالتي مبتسمة، حيتني مُعرِّفَة بنفسها: "مرحبا! اسمي"بْرُونَا"، أنا جديدة في المنزل معكم، وصلت اليوم". بادلتها التحية، ثم انتقلنا في حديث قصير حول الدراسة وحول السفر إلى هذه المدينة التي جمعتنا وحول البلاد التي منها أتت كلتانا.

لا أذكر أني رأيت "بْرُونَا" يوما من الأيام التي جمعتنا إلا وابتسامة تغمُر محيّاها مُوزِّعَة الراحة والبهجة على المحيطين بها.
"بْرُونَا" فتاة برازيلية ذات وجه مستدير يميل إلى الامتلاء تتوزّع فيه ملامح رقيقة يفيض منها الانشراح،  بشرتها سمراء ممزوجة بحُمرة، شعرها منساب يتدفّق في غزارة حتى أن "بنت الأمازون" بدا لي إسما مناسبا لها؛ كأني بشعرها الأمازون في تدفّقه الأغزر من بين أنهار العالم!

لقتني "بْرُونَا" يوما فحيتني بابتسامتها المعتادة البليغة عن كل قول، ثم أردفت تتهجأ: "سلام عليكم". ربما أرادت أن تُدخِل عليَّ الأنس فحدثتني بلسان آلفه. هكذا أجدُها كلّ مرّة تبتكر الأساليب لإسعاد الآخرين.
"بْرُونَا"، كم تمثلت فيك الإنسانية واسعة بلمساتك الصغيرة التي تتفننين في رسمها بتلقائية!

سألتني "بْرُونَا" ذات حديث جمعنا عن معنى "إن شاء الله" التي سمعت مسلمين يرددونه. قلت أنها تُقال يقينا بأن كل أمر مستقبلي متعلق بإرادة الإله الخالق. أُعجِبت "بْرُونَا" بهذا المعنى قائلة: جميل، جميل !" وأخذت تردّد "إن شاء الله.. إن شاء الله.." كطفل صغير مبتهج بكلمة جديدة تعلمها يشدّ على كل حرف متوقفا عليه برهة؛ كأن الإنسان يحتضن الكلمة حرفا حرفا إذا ما لاقاها أول مرة!

"بْرُونَا" فتاة تحب الحديث منقّبة عن الدهشة في كل ما تسمع؛ ربّما، بل أظنّ أنها حقّا من أولئك الذين لا يتذوّقون الحياة دون التطلّع لأمر جديد يُخبرهم أن ما ينتظر اكتشافهم عظيم! وأنّ هذه الحياة ليست أحادية اللون إنما التنوع سنّتها التي جعلتها زاخرة بالألوان.

تقول لي "بْرُونَا" أنها زارت بلاد المغرب الأقصى  منذ عام حيث تزامنت زيارتها مع حلول رمضان وكان الشهر حينئذ "أغسطس" فكيف نصوم رمضان الآن (السنة الفارطة) في "مايو"؟ شرحت لها أن رمضان شهر قمري وأننا نعتمد التقويم القمري في مناسباتنا الدينية الإسلامية. تهللت أساريرها لما علمت من أمر جديد، مكرّرة عبارتها التي تقولها كلّما دُهشت: "وااو! يا إلهي!"

"إنه لذيذ! أرجو أن تتذوقيه" قالت وهي تهديني قطعة من البطيخ. ثمّة أرواح لا يفُوتُها تقاسُمُ الأشياء الجميلة مع الآخرين، ربّما لإيمان دفين يسكُنهم بأنّ تقاسُمَ الجمال يُضَاعِف حجمه.
"بْرُونَا"، شهران فقط جعلاني أتعرّف لروحك الكريمة التي تحاول ما استطاعت أن تنثر البهجة في الطريق وتزرع المحبّة مع كلّ خطوة.
"بْرُونَا"، كنت رفيقة درب قصير لكنه عامر بالدروس لعلّ من أهمّها درس الإنسانية التي تجلّت لي؛ أكبر من كل الفوارق والحدود! هذه الإنسانية منها تشرق بسمتك ويتفتّح قلبك للمحبّة واسعا.
"بْرُونَا"، لن أنسى عونك لي وأنا أحمل الحقائب مُغادِرة ولن أنسى سلامك الدافئ ورجاءاتك الجميلة. كوني بسلام أيتها الإنسانة أينما كنت! كوني بوُدٍّ غامر يسقيك فتتفتّحين كزهرة كل يوم!

دليلُ محبّتكم الفعّالة لطفلكم في عامه الأوّل

لأنّكم رفاق العُمر قبل بدايته، لأنّكم الأرض الأولى التي يزرع فيها الطفل خطواته، لأنّكم من ترمون حجر الأساس في بناءِ الرحلةِ الذي ترجون ك...