الخميس، 12 فبراير 2015

" إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَة "

أدخل على إستحياء لأكتب ، أجرّ أوجاعا و خيبة . خيبة من هذا التوحّش الإنسانيّ الذي يصدمنا كلّ يوم بتطوّر أدواته و تنوّع أساليب ممارسته. و أوجاع الإحساس بالعجز أمام كلّ المسؤويات المنوطة بي كإنسان ينتمي لهذه الفصيلة التي نرميها بشتّى الأوصاف الوحشيّة و نُحمّلها مسؤوليّة البشاعة التّي غزت العالم.

كيف للفطرة أن تنطمس في الإنسان ؟ كيف يتحوّل الإنسان ليس إلى مجرم بل إلى من يتفنّن في إجرامه و إرتكاب أبشع الأعمال من قتل و حرق و اغتصاب و تعذيب... هل كان الملائكة يَعُون طبيعة البشر إذ قالوا لربّهم (أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء)، لكنّ الله -سبحانه-أجابهم (إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ). و قوله -تعالى- هذا يدعونا لأن نمتثل لحكمته و هو العليم بهذا المخلوق "الإنسان" و خباياه و أغواره. و هذا لا يعني أن نعتاد هذه الوحشيّة و لا نرتجف أمام الدم المسكوب و الدمعة المذروفة و الأشلاء المنثورة و الأعراض المنهوكة..
و قد ننظر في التاريخ فنُدرك أنّ عهد البشريّة بالقتل و التعذيب ليس جديد، إن لم نقل أنّها أتت به منذ خلقها عندما قتل قابيل أخاه هابيل. لكن هل لبشريّة تسعى اليوم حثيثة الخُطى نحو تطوّر علميّ و إدراك ليس حقائق هذا الكوكب فقط بل إكتشاف ما يُحيط به سابرة أغوار هذا الكون، أن تضيّع إنسانيّتها في دربها هذا ؟؟ هل لبشريّة تُريد أن ترقى بنفسها أن تُدوّي ساقطة متجرّدة من مشاعر الرأفة و المحبّة و التعاون و... ؟؟ كم هو مُوجع هذا السقوط الذي يخدش فطرتنا مع كلّ حادثة يتمثّل فيها! كم هو مؤلمٌ الشعور بالغربة وسط هذا العالم الذي تترابط أوصاله تكنولوجيّا و تنفرط فيه الأوصال الإنسانيّة!

اليوم القضايا الإنسانيّة تُعلّب في أغلفة باهرة و تُروّج حسب طلب مصالح الدول القويّة التي تمسك بزمام الإقتصاد العالميّ. فهناك قضايا يُروّج لها إعلاميّا و أخرى تُغيّبُ قصدا لأنّها لا تخدم الفكرة المُرادُ إشعاعها عالميّا و ترسخها في الوعي الجمعيّ. مثال ذلك اليوم أنّ وسائل الإعلام العالميّة لا تتحدّث  عمّا يحصل لمُسلمي بورما. أو عمّا حصل و يحصل للأفغان من تفقير و تجهيل و تهميش. نعم لقد نجح الإعلام في تلقيننا إختزال أفغانستان في جماعة طالبان، و هكذا لعب الإعلام على تبهيت صورة معاناة الشعب الأفغانيّ من غطرسة الجيش الأمريكيّ. بل حقّق الإعلام نجاحا باهرا في نحت مصطلح "الإرهاب" في عقولنا، فليس ثمّة قضيّة إنسانيّة إلّا و كان "الإرهاب" و "الإرهاب الدينيّ" على وجه التحديد هو السبب الرئيس فيها!
لا أحد يتحدّث عمّا تُعانيه الشعوب الإفريقيّة التائهة في الأدغال من بدائيّة؛ هل السعي إلى إكتشاف حياة على المريخ أهمّ من إنقاذ حيوات بشر يعيشون معنا على نفس هذا الكوكب ؟ أليس هذا واجب الإنسان على أخيه الإنسان ؟ و كثيرة هي المآسي التي تُحجب عنّا، و نحن أصلا الساعون إلى التحرّر من مآسينا. نحن الشعوب التي تُدافِع عن وجودها وسط عالم يُدارُ بمنطق القوّة و ليس غيرها منطق. نحن الشعوب التي تبحث عن بصيص وسط هذا الظلام لتقف و تصدح بصوت الإنسانيّة الخجول الهامس. نحن الشعوب المؤمنة بالعدالة و الواثقة أنّ مقاومة الظلم -بإختلاف ألوانها- هي السبب الوحيد لنثر الأمل على أدراج البشريّة. نحن الشعوب التي ستدفع كلّ هذه البشاعة بالإبداع و التنقيب عن كلّ ما هو إنسانيّ فينا و في هذا العالم الرّحب. لا أمل للعالم إلّا في هته الشعوب فإن هي قامت من مآسيها فستنظر إليه بعين المُحبِّ و تحتضنه بقلب الأمّ. هذه المسوليّة التي يجب أن نتحسّس ثقلها و نحن على الدّرب، لا يجب أن تسقط منّا دون أن نشعر، فلها نعيش و لها أتينا و لها جُعلنا "إنّي جاعل في الأرض خليفة" !



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مُروركم يُسعدني.. :)

دليلُ محبّتكم الفعّالة لطفلكم في عامه الأوّل

لأنّكم رفاق العُمر قبل بدايته، لأنّكم الأرض الأولى التي يزرع فيها الطفل خطواته، لأنّكم من ترمون حجر الأساس في بناءِ الرحلةِ الذي ترجون ك...