الاثنين، 9 فبراير 2015

جمهور فاشل.. و مخرج بارع !



إنّه زمن الإثارة و الحبكة الفنيّة، زمن الصورة عالية الجودة ذات التأثيرات المدروسة بإتقان. فإذا ما أردت الترويج لفكرة ما و أن تُوهِم الجمهور بصدقها عليك أ ن تُنتِجَ صورة مثيرة فيها قدر كبير من الابتكار و الإثارة و الذكاء الفنيّ. هذه الصورة التي قد تُوجِد اللاموجود أصلا ! و هكذا تُصنع الظواهر في العالم اليوم، و لنا في ظاهرة "داعش"مثال. هنا لن أخوض في فكر داعش أو أناقش إنسانيتهم من عدمها مثلا في تعاملهم مع الطيار الأردني. لكن سأحاول تفكيك ردّات الفعل المتطرفة التي تصدر إثر عمليّاتهم -التي يُروِّجَ لها بتقنيات تتطوّر يوما بعد آخر، و فهم ما يحصُل في محطات النقاش المشتعِلة و التي تتّقِد بضغطة زرّ لا ندري من يكبس عليه ! ما إن يتمّ تنزيل الشريط المصوّر حتى يحلّ انقسام بل قُل شرخ في صفِّ الجمهور فهذا مؤيد و مدافع و آخر مستنكر و رافض و آخر يُجرّم الفعل مستعينا بأبجدية لا تُسعفُه ليصوّر الفعل بأسوأ الألفاظ و أبذئها و كأنّ السقوط الإنسانيّ الذي صوّره الشريط لم يكفه فأصرّ أن يُوصلنا إلى الدرك  ! ما لكم كيف تحكمون ؟! لم كل هذا التسابق في صياغة ردة فعل و تبني المواقف ؟ ما لنا ننفجر كالقنبلة التي يُعدّل توقيتها غيرنا ؟  كلّ يرمي بكرة اللهب في وجه أخيه !
هذه الصورة التي تتلألأ بأعتى تقنياتها و يزداد بريقها مع انتشار صداها. بريقها الذي يخطف العقول فتغشى البصائر لترتدي الآراء أفكارا جاهزة و تصدح مردّدة  ذاتَ الألحان كما في كلّ المناسبات الشبيهة التي تُفاجئها في كلّ مرّة لكنها تَمتثِلُ جاهزة لإحيائها  !





هكذا بكلّ الأدوات التي امتلكها آخر و لم نمتلكها بل امتلكتنا، لم تَصِر "داعش" مجرّد أمر واقعٍ  في أذهان غالبيّة القوم، بل أصبحت ظاهرة تسطو على وعي صغيرنا و كبيرنا. "داعش" تلك الصَّنعة التي ألهتنا عن الصّانع. داعش تلك الشماعة التي تُعَلَّقُ عليها الخيبات. "داعش" ذلك الفاعل الذي أتى من بعيد -حيث لا تريد أن تمتدّ بصائرنا- ليحمل أوزارا طالما نُسبت للمجهول. "داعش" ذاك القاموس الذي أُثْرِيَ ببراعةِ المحلّلين و المؤوّلين. "داعش" تلك الرواية التي اكتسحت كلّ العالم و ادهشت فصولها الجمهور فصفّقوا سُخطا و لوما.
متى سنكفّ عن كوننا مفعولا به ليس له من القضيّة غير ردّات الفعل ؟ متى نفكّر في صناعة وعيينا لا المشاركة في تزييفه ؟ متى نصبح قادرين على أخذ مسافة بين الحدث و الموقف الذي نصدره ؟ متى نكفّ عن غبائنا المُتباهي بذكائه الذي يدّعي أنّ ما يحصل لنا مؤامرة ليس إلّا ؟! متى نكفّ عن الدفاع عن ضعفنا أمام هذه القوى ؟ متى نكفّ عن لَوْكِ أفكارٍ عفّنت العقول و ننشغل عنها بتهوئة عقولنا ؟ متى نكفّ عن اتّباع النتائج و نسعى نحو اتّباع الأسباب التي تسير بنا نحو الحقيقة ؟!  متى سيخرج مثقّفونا من طوباويّتهم و نظريّاتهم المجرّدة و يتمخّض وعيهم ليلد نجاة قومهم ؟ متى سنخلع جُبّةَ الضحيّة و نخطو من تمثيل الدور نحو إخراجه و كتابة نصّه ؟

متى سنتعامل مع "داعش" و العديد من مشاكلنا كحقيقة تحتاج منّا التمحّص و البحث عن حلول، لا كصورة نكتفي بمجرّد التعليق عنها !

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مُروركم يُسعدني.. :)

دليلُ محبّتكم الفعّالة لطفلكم في عامه الأوّل

لأنّكم رفاق العُمر قبل بدايته، لأنّكم الأرض الأولى التي يزرع فيها الطفل خطواته، لأنّكم من ترمون حجر الأساس في بناءِ الرحلةِ الذي ترجون ك...