الأربعاء، 24 أكتوبر 2018

في مهمّة


فتحت الخزانة لتضع الثياب النظيفة التي طوتها للتوّ، فإذا بورقة تسقط حال فتح الباب لا تعلم أين كانت تختبئ. نصّ رقدت حروفه فوق الورقة حيث جف حبره حتى بان أنّه عتيق. قفزت عيناها على حبل الفضول فتوزعت نظراتها على أطراف النص تحاول أن تلم بموضوعه من خلال عباراته المتناثرة بين السطور. فهمت أن زوجها من كتب النص وأنها هي المخاطبة  وأن الموضوع على الأرجح إعتذار عن أمر ما، . ذهب عقلها سريعا يسأل الذاكرة عن موقف يكون سببا لسيلان مداد هذه الرسالة. لكنّ عقلها عاد خائبا بلا جوابٍ. فكلّ الأمور تجري على ما يرام وحتّى تلك المنغصات التي تحصل بين كلّ الأزواج فإنّهما قد تعوّدا أن يحلّاها إثر وقوعها حتّى  يواصلا السير متخفّفين منها.
وضعت الثّياب وجلست تقرأ النّص بملء تركيزها.

" أكتب هذه الرسالة وأنا لا أعرف من تكونين ولا أين..
بلى، أعرف من تكونين. أنت التي سترافقني زمنا يطول أو يقصر. وللرفقة سنن وأهمّ سننها الصّبر. فهل ستصبرين وتفهمين أنّني لن أكون لك وحدك لأنّي لست لي أصلا. أنا أيّتها الرفيقة في مهمّة وكم أرجو أن تكوني نذير غفوتي إذا طالت.
هذه المهمّة تقتضي سيرا حثيثا وسهرا متواصلا وخطوا كادحا. هذه المهمّة تريد مني انتباها لا يفتر وإستعدادا لا يملّ. فلا تطلبي منّي ركونا للدفء وللراحة ولا تدعونني للقعود أو الرقود.
لا يأخذك التذمّر أيّتها الرفيقة الصديقة عن فحوى هذه المهمة. إنّها مهمّة الإنسان في هذه الحياة.
أعتذر عن ركضي الذي لن يلتفت لتعبك في بعض الأحيان.
أعتذر عن صمتي عندما أنغمس في فعل مركّز أستجمع له كلّ تركيزي. وأعتذر عن ثرثرتي عندما تصيبني حمّى فكرة نبيلة أبحث عن سبل تحقيقها في الميدان.
أعتذر عن نسياني لتفاصيلنا عندما تثقلني أغصان الفكرة المتفرّعة مآلات وأسبابا وسبلا..
أعتذر عن كلّ أمر تلقينه منّي أيّتها الصّديقة، فلا تطيقه روحك.. لكنّي لن أعذُر نفسي إذا خذلت وُدَّنا  لأنّي لن أعود بذلك صاحب المهمّة العظيمة."






الصورة: photography Michael Shainblum

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مُروركم يُسعدني.. :)

دليلُ محبّتكم الفعّالة لطفلكم في عامه الأوّل

لأنّكم رفاق العُمر قبل بدايته، لأنّكم الأرض الأولى التي يزرع فيها الطفل خطواته، لأنّكم من ترمون حجر الأساس في بناءِ الرحلةِ الذي ترجون ك...