السبت، 13 ديسمبر 2014

المؤسسات الإدارية.. أزمة قِـيَــمْ !


الحقيقة أني ما ذهبت يوما لقضاء حاجة في إدارة ما إلا و عدت و غضبي مستشيط و الأسف يملأ صدري.. هنا في تونس إدارة خدمتها تعطيل شؤون المواطنين لا تيسيرها
! إنها البيروقراطية اللعينة؛ آليات سخيفة تضعك على طريق يعجّ بالمطبّات، يحيط بك التعثّر من حيث لا تدري ليُثنيك عن حاجتك، عن حقك !
هنا في الإدارة التونسية يمكن أن تُعطَّل مسيرتك الدراسية بسبب وثيقة تحتاج إمضاﺀ موظف لا يعرف الطريق الي مكتبه الا نادرا !
يمكن لذاك الفقير ان يهلك مرضا قبل اتمام اجراﺀات بطاقة العلاج.. يمكن ان تخسر وظيفة كنت على بعد خطوات منها لأنّ ملفك لم يُختَم من طرف مسؤول ما في الآجال المحددة.. يمكن أن لا تنال ترقية مهنية بسبب ملفك الذي ركنه موظف ما في درج مكتبه نسيه أو تناساه الله اعلم ! يمكن ان لا تتمتّع بمنحتك الدراسية لأن ملفك أُهمِل و لم ينل شرف المعاينة حتى ! و أنت في أشد الحاجة لذلك المبلغ كي تسدّد مصاريف دراستك الجامعية، و أنت ذلك الآتي من مدينة داخلية المغترب عن الأهل في سبيل تحصيل العلم.

و أمثلة التعطيلات الإدارية التي وأدت أحلاما، تعدّ و لا تُحصى !
و زيادة على هذا موظفون يشعرونك أنهم بصدد المنّ عليك و هم يقضون حاجتك و هم في الأصل بصدد القيام بواجبهم (لا أتحدث عن كُلٍّ لكن هي أغلبية ساحقة، و حسرتي عميقة لهذا).

إنّ الأزمة هنا هي أزمة قيم ! صحيح أنّ الآليات المعتمدة بحاجة إلى مراجعات جذرية أساسها السلاسة و الوضوح. لكن هذه الآليات بحاجة لعقول نظيفة مُريدة حتى تتفعّل. نحن اليوم أمام إفلاس أخلاقي و إنحلال إنساني وسط براغماتية عفِنة. الإدارة اليوم تشتكي أوراما خبيثة كإنعدام المسؤولية و غياب العدل و المساواة بين المواطنين، فقدان الصدق و الإستهزاء بالقوانين و عدم ترجمتها لآليات عملية..

إنّ الإصلاح لن يتحقق إلا بثورة قيميّة تقضي على الوهن الذي أصاب النفوس، و تبعث روحا في الأجساد الجوفاء المتغذية على المادية و النابتة في الجهل المقِيت. لسنا بحاجة لإستيراد أنمذجة حضارات أخرى و إسقاطها على واقعنا الذي له خصوصياته و له مرجعيته الأصيلة -مرجعيتنا الإسلامية- التي ضيعناها وسط لغطنا، هي لم تنقرض لكننا نحن تُهنا عنها بخطواتنا العرجاء المرتبكة. كيف السبيل إذن للخروج من هذه الغمّة ؟ السؤال ليس يسيرا بالمرّة، لكن علينا أن نبحث على قبس وسط هذا الدجى، علينا أن نُشعل و لو شمعة بدل أن نلعن الظلام. أما عني فأرى أن أساس الإصلاح هو التعليم؛ إصلاح الأجيال الصاعدة. و التعليم هنا لا يجب حصره في المؤسسات التعليمية بل هو قيمة يجب زرعها في كل ربوع مجتمعنا. تعليم المحبّة الصافية و الصادقة للآخر و تعلّم العطاء لنيل الإرتقاء الجماعي و ليس المصالح الفردية الضيقة: بإمكاننا أن يأخذ أحدنا بيد الآخر فننهض سويا بدل التدافع و الأنانية .. لقائل أن يعلق أنّ مثل هذه الحلول تجريد و تنظير و أحلام وردية تراود المُغدِقين في المثالية، لكنني أفيض قناعة أن خلاصنا من هذا الجهل و التخلف في وطننا، و خلاصنا من المادية و البراغماتية التي تلتهم العالم أجمع بنهمٍ، يكمن في منعرج البحث عن الروح و الإنسان فينا. و المتأمّل في حال الأمم الناهضة التي تُسابق في ميدان التقدم (اليابان مَثلًا) سيشهد إدراكها لأهمية القيم الإنسانية و توقها لروحانيات تُخيّم بسكينة عليها..

و للحديث بقية و للأمل مُتّسع....

10/12/2014

                          


هناك تعليقان (2):

  1. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    هذه المرة الأولى التي أقرأ بنات أفكارك فيها وقد أعجبت صدقا بلغتك السلسة وشدة لهجتك في الحق وأفكارك التي تلامس أفكاري، أنا معك على طول الخط وكما قال المرزوقي معركتنا معركة أخلاق وقيم وكما قالت خولة الحكيمة لا بد أن نبحث عن الإنسان فينا, أصبحت قارئة وفية وأتمنى لك المزيد من البطاقات الساخنة وفقك الله ونفع بك :)

    ردحذف
    الردود
    1. و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته :)

      مرحبا إيمان ! سعيدة لأنّك هنا .. سرّني رأيك ..
      موفقة أخيتي..

      حذف

مُروركم يُسعدني.. :)

دليلُ محبّتكم الفعّالة لطفلكم في عامه الأوّل

لأنّكم رفاق العُمر قبل بدايته، لأنّكم الأرض الأولى التي يزرع فيها الطفل خطواته، لأنّكم من ترمون حجر الأساس في بناءِ الرحلةِ الذي ترجون ك...