الأحد، 20 سبتمبر 2015

فلسطين .. و العربيّ


الأسلوب العمليّ الذي تنتهجه اسرائيل يبرهن شدّة خطورة هذا الجسم. الجسم الذي يتضخّم يوما بعد يوم، في حين يلتهي آخرون و يهدرون الوقت و الوطن بالجلوس للتفاوض على أشياء بمرور الوقت تجعلها اسرائيل ملكا لها بتنفيذ مخطّطاتها على أرض الواقع غير عابئة بأيّ إتّفاق أو عهد دوليّ.. اسرائيل تهدّد اليوم ببناء هيكلها-المزعوم- الثالث على أرض المسجد الأقصى. اسرائيل اليوم تهدم القرى الفلسطينيّة فتنزع البدو من صحرائهم -بتهجيرهم إلى أحياء سكنيّة يتدنّى فيها مستوى العيش- في سبيل زرع شجرة! اسرائيل تواصل بناء مستوطناتها و تهيئة كلّ ظروف العيش الباذخة لمواطنها مقابل تهجيرو تهميش وقتل الفلسطينيّ و لو حيّا.. اسرائيل لا تنتظر رضى دوليّ أو سخط عربيّ، بل تُسارع خطواتها في بناء دولتها و فرض وجودها على كلّ العالم.
 لا بُدّ من الإنتباه أنّ اسرائيل -بانتهاكاتها التصعيديّة التي طالت الأقصى مؤخّرا-  تستغلّ لحظة يتعقّد فيها الواقع العربيّ فالشاب العربيّ يشعر بالعجز إزاء واقع وطنه المُثقل بالخيبات. فكيف لهذا الشاب أن يغضب حقّا لفلسطين أم أنّ غضبه هو كالعادة طفرة عاطفيّة لا تُغيّر شيئا و لا تذهب إلى البعيد بل لعلّها تنخر القوى و تستنزف الطاقات.  نعم اسرائيل ليست بريئة بالمرّة في اختيار أوقات تصعيد وتيرة إغتصابها للأراضي الفلسطينيّة. الشاب العربيّ اليوم مشتّت بين الغضب لمقدّساته و الانتصار لوطنه المهزوم أوّلا بالجهل و البطالة و الإفلاس. الشابّ العربيّ الذي عندما انتفض عن دكتاتور بلاده حتّى شقّ عرشه، ظنّ أنّه أدرك الربيع ليصحو بعد فرك عينيه جيّدا على خريف يكشف كلّ عورات الوطن، الوطن المغتصب المُنهك. و إذ تجلّت الصورة أمام الجميع تفرّقوا بين زاعم أنّ هناك من كادوا لربيع الوطن و سرقوه قبل أن يُزهر و بين مُدرك أنّ الطريق طويل و وعر في إتّجاه الربيع الذي لم نُدرك بعد إنّما تراءى لنا طيفه من بعيد.
أمّا فلسطين القضيّة المقدّسة التي كبرت مع هذا الشّاب العربيّ فقد أصبحت كذلك الحلم الورديّ الذي يُطالعه و هو العاجز عن إدراكه. فنرى "تخمّر" الشابّ العربيّ بالتغنّي بفلسطين و أنّ دمه فداها و أنّه آت ليحرّرها، و مقابل هذا لا تظهر أيّ خطوات عمليّة! فالانتصار للقضيّة الفلسطينيّة اليوم أصبح ثورة عاطفيّة تشتعل كلّما أقدمت اسرائيل على اعتداء أرادت هي أن تُظهره للعالم. فهل أصبح التعاطف مع فلسطين و إثارة غضب الشارع العربيّ تتحكّم فيه اسرائيل بكبسة زرّ ؟ٍِ! إلى متى سيظلّ العربيّ ينظر للإنسان الفلسطينيّ على أنّه "مُعجزة" و آية في الصبر و ينتشي لصور شهدائه الأفذاذ إلى متى ستبقى عاطفة العربيّ فيّاضةً على عقله ؟ هل قدسيّة فلسطين عند العربيّ جعلت منها طيفا من خيال، خيالا لا يُدركه بل يحلم به دون التفكير في سُبل الوصول إليه ؟!

إنّ الانتصار لقضيّة فلسطين لا و لن يُحقّقه إلّا من هم على الميدان يُرهبون العدوّ و يقفون بالمرصاد -ما استطاعوا- لمشاريعه المدمّرة حضاريّا فيُربكونها. و الانتصار لن يحقّقه إلّا الساعون لبناء قوّة في أوطانهم، قوّة تقدر على كسر و لو اصبعا من قبضة اسرائيل فتُضعِفها. إنّ ما يحصل اليوم في فلسطين هو وليد عقود مضت من الخنوع و الخيانة جسّدتها الأنظمة العربيّة، أمّا اليوم و بعد أن أرادت الشعوب أن تخلع هذه الأنظمة الفاسدة فقد آن لها أن تحمي إرادتها من الانطفاء و تأنس بها للسعي نحو حريّتها و تحرير أوطانها و التخطيط لتحرير فلسطين يوما ما، فتفاصيل اليوم هي التي ترسم الغد !

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مُروركم يُسعدني.. :)

دليلُ محبّتكم الفعّالة لطفلكم في عامه الأوّل

لأنّكم رفاق العُمر قبل بدايته، لأنّكم الأرض الأولى التي يزرع فيها الطفل خطواته، لأنّكم من ترمون حجر الأساس في بناءِ الرحلةِ الذي ترجون ك...