السبت، 17 أكتوبر 2015

قلب ..


هذا القلب ما منطقه ؟!
هل هو نافذتنا التي بها نطلّ على الحياة، أم أنّ الحياة هي الشرفة للتعرّف على أحواله و صفاته و متغيّراته و ثوابته و ...؟
هل هو يبعث في الحياة حياة، أم أن الحياة هي نبضه و أنساق تجلّيه..
لا أخفيك، منطقه طالما حيّرني!
هو وفيّ بوىسع الكون، لكنه يخفّف أحماله من أوقات لأخرى. لا هو لا يخفّف بقدر ما يراجع ما حمل و ما قد يحمل، مراجعة تجعل منه أوفى. لا أظنه خائنا، بل هو يستبدل ما لم يعد جديرا بعلوّ نبض الوفاء فيه بالأجدر. هكذا أظنه ! القلب لا يخون إلا عندما يعلو كبرياؤه حصنا يُعرض عن المحبّة. و هو لم يعرض عن المحبّة يوما. فالتعب لم يردّ الأم عن الحمل، و الألم لم يمنع الشرنقة من أن تصير فراشة، و الموت لم يُقعد المجاهد في سبيل الحريّة.. هذا القلب فقط طرح تلك الأحمال التي لا تسمن و لا تغني، أحمالا لم يعد لها معنى، أحمالا لم تعد تبعث الحياة فيه و لم يعد هو يقدر عن تزويدها بنبض صادق يجدر بالمسير.

كم هو متناقض هذا القلب! شغوف كطير محلّق يملأ السماوات سعيا؛ يلاحق الأفكار المبثوثة في الآفاق و يحضن المشاعر السامية التي تسكن الأعالي. قل لي كيف يخاف قلب كهذا؟ من أراد خوض غمار الحرية لا خوف له. من أراد التحليق دوما لا خوف له. الخوف ارتجاف نبض لا يجدر بمن أراد الوصول و اتخذ التحليق ديدنا و الحرية دينا.
في هذا القلب تكبر الآمال و الأحلام أشجارا تمدّ ظلّها تهزأ من حرّ طريق قاحل.. لكن، هذه الأحلام و الآمال تكبر في اليوم أدهرا حتى تكاد تغمره بموجها العالي فتغرقه في الوهم. فكيف له أن يحمي نفسه -هذا القلب من أن يكون أرضا صلدا لا نبت و لا زهر فيها و من أن يأكله الطوفان! هل للقلب أن يتعقّل؟ بلى، إنّه رحم التبصّر!
الحلم طيف سحريّ بدونه لا أنس في الطريق و لا متعة للرحلة. الحلم زهر ينبت على حافة نهره الجاري..الحلم سيمنعه في كلّ انثناءة في الطريق من الاستسلام للقبيح.

و منطق هذا القلب في التذكّر يبهرني و يفجعني في الآن ذاته. كم يحمل التفاصيل جلية تنطلق فيها حتى النظرات. هل يعرف القلب النسيان؟ القلب قد ينسى الأحداث الكبرى و الحكايات الطويلة، لكنه يحفظ التفاصيل التي بعثت فيه الحياة و أبصرته مكنونات غالية لم يسعفه غروره أن يراها . القلب يصنع رقّته من جمال التفاصيل و يصنع وفاءه من الإنتباه لدقتها و دورها العظيم في رسم الأحداث الكبرى.

هل هذا القلب نبع للأفراح أم أنه رحم للأحزان؟
عجبت منه يضحك كطفل ملء شدقيه لا يعبأ بأي شيء. عجبت منه يُولّد الأشجان من مشهد وردة ذابلة و من رؤية عصفور جريح الجناح. عجبا لهذا القلب صغيرة ترقصه فرحا و أصغر منها تغرقه في بحر من الدمع!
عجبا لحال هذا القلب و منطقه!
..
تونس
17-10-2015
س 5.30 صباحا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مُروركم يُسعدني.. :)

دليلُ محبّتكم الفعّالة لطفلكم في عامه الأوّل

لأنّكم رفاق العُمر قبل بدايته، لأنّكم الأرض الأولى التي يزرع فيها الطفل خطواته، لأنّكم من ترمون حجر الأساس في بناءِ الرحلةِ الذي ترجون ك...