الجمعة، 30 أكتوبر 2015

إلى صاحب الظلّ الطويل ..


من الصباح و أنا محتاجة لأكتب إليك، أو لعلّني أحتاج لذلك منذ زمن أبعد من هذا الصّباح، أبعد منه بكثير..
أريد أن أحدّثك عن أمور كثيرة تضج في صدري و يفيض بها قلبي غير أنّني لا أجيد ترتيبها و إنّي لحريصة أن أروي لك كلّ التفاصيل و أكره أن أنسى تفصيلا يمكن أن تكتمل به الصورة أين ستجدني، و كم أحبّ أن تجد عبيري في حقل الكلمات !
لاعليك، هاإنّي أحاول أن أستجمع طاقتي لأحدّثك عن كلّ شيء..

فَـلْأُحدّثك عن المساءات التي ألقاني فيها أين تكون السماء إليّ قريبة و أرى الجبل القريب جدّا منّي يفتح إليّ حضنه الأخضر الواسع.. أ تعلم في هذه المساءات لا أعود أعبأ بشيء؛ أنسى تعبي و قلقي و خوفي و يُبسطُ لي جناحان و أحلّق، أسافر بعيدا أين المعاني تُغازل المتدبّرين، كم تبدو ساحرة و فاتنة تلك المعاني! لكنّها تمتنع عن الذين لا يهبونها نقاءً و صدقا.. أ تعلم في هذه المساءات أزهد في كلّ شيء و يُغنيني حضن السماء عن كلّ كلّ أحلامي التي تبدو لي مبتورة لأنّ للحياة كُنها لازلت أبحث عنه و أجده فقط في عيني السماء التي لا تبخل عنّي و لا تُرجعني عن بابها خائبة، و لو مرّة ! هي دائما تلقاني بحضن ممتدّ و تدعوني لأعود إليّ و أغوص في الأعماق أين الشفاء و البراح..

فَـلْأُحدّثك عن السفر الذي يقول لي كلّ يوم أنّي وحدي من أخوض طريقي، وحدي سراج الطريق في الظلمات، وحدي صاحب هذه الروح فإن أنا خذلتها ذبلت و إن ذبلت إستطاع الآخرون دوسها..
لو تعلم كم علّمني سفري اليوميّ الصّمت و الوحدة. و كم وجدت في حضرتي أنسا و في صمتي ألحانا نديّة تُعزف بداخلي إذ أبحرت في عالم الأفكار اللُجِيِّ؛ ويكأنّي أطيرُ بعيدا عن كلّ الصخب و الترهّات التي تحيط بي من كلّ صوب !

لو أستطيع أن أصوّر لك العوالم التي تُولد بداخلي ذات تأمّل فأتّسع حتّى أبصر العالم كلّه ينطوي فِيَّ.
لو أستطيع أن أصف لك الضيق الذي طوّقني به حديثهم يومها. هل تتّسع قلوبهم لهكذا حقد ؟ لماذا يرمون الكلمات كالسهام و لا يُلقون لها بالا ؟ لماذا ترسم ملامحهم وداعة خادعة ؟ .. تألّمتُ كثيرا يومها لأنّي لا أحبّ أن أرى القُبح فيهم، لأنّي أريد أن أحترمهم و أنظر فيهم مثالا صادقا للأخلاق.. ربّما ستقول أنّني مثاليّة و أنّي بدوري خطّاءة، لكن الأمر لا يتعلّق بالمثاليّة و الخطأ يا صديقي؛ الأمر أمر مبدأ في الترفّق و التلطّف في انتقاء الكلمات التي تخرج منّا. يا صديقي، لماذا يرسمون القبح بكلام أقبح منه فيزيدون العالم قتامة ؟ القتامة تبتلع النّور يا صديق  !

يا صديقي ! لو تعلم كم يمتلئ القلب بالأمنيات كلّ يوم من غير أن أعلّق أملي بأحد. أنا آمل فقط في ذاتي أن تكون بجانبي دوما تُواسيني في العثرات و تغسلني بماء الروح كلّما لفّني الشوق للصادقين الذي أنظرهم و لم يتّسع زمني للُقياهُم.. آمُلُ فقط في ذاتي التّي الله أقربُ إليها من حبل الوريد، و من قربه فقط أستمدّ قوّتي و أصنعُ ثباتي..

لو تعلم كم تهزم البسمة كلّ أشجاني إذ ترتسم على صفحة وجهي و في لمعة عينيّ، فقط لتخبرني أنّ السعادة هي الطمأنينة و الرّضى و السكينة الذين يتفجّرون من الداخل..

..
تونس
30-10-2015
س 16.30








ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مُروركم يُسعدني.. :)

دليلُ محبّتكم الفعّالة لطفلكم في عامه الأوّل

لأنّكم رفاق العُمر قبل بدايته، لأنّكم الأرض الأولى التي يزرع فيها الطفل خطواته، لأنّكم من ترمون حجر الأساس في بناءِ الرحلةِ الذي ترجون ك...