الأربعاء، 16 أغسطس 2017

المرأة التونسيّة وفقاعة المكاسب


إثر الإحتفال باليوم الوطني للمرأة التونسيّة ضجّت الساحة السياسيّة والمجتمعيّة  بتعليقات حول مكاسب المرأة التونسيّة التّي أثارها رئيس الجمهوريّة. للأسف وقع التركيز على مكاسب لا تبني لمصلحة المرأة التونسيّة إذ دار الحديث حول مسائل مستفزّة لعُرف ودين البلاد بعيدة كلّ البُعد عن مشاغل المرأة الواقعيّة والآنيّة. ممّا أدّى إلى قيام عاصفة من الآراء لا أُكلَ لها غير ذرِّ الرمادَ في العُيون حتّى لا تُبصِرَ ما يجب إبصارُه من أولويّات ونقائص حقيقيّة. فما يعني التطرّق لمسألة المساواة في الإرث في هذه اللحظات التاريخيّة التي تعيشها تونس؛ بلدا يخوض معركته مع الديمقراطيّة والكرامة والتشغيل والإقتصاد والعدالة... وإنّه لمدعاة للسخريّة أن نتحدّث عن جواز زواج التونسيّة المسلمة من الأجنبيّ غير المسلم أنّه مكسب للمرأة! هذا المكسب الذي يتعارض مع الهويّة الإسلاميّة للدولة التونسيّة؛ أيّ تناقض يدعو له من هو في رأس السلطة؟! هل هذه المبادرات السياسية التي نحتاجها لننقذ ما يجب إنقاذه من دولة تتهاوى لا يرفعُها إلّا نسيمُ حريّة تدفّق من أفق الثورة؟! 

إنّ المرأة التونسيّة اليوم ليست بحاجة للمساواة التي تسلبُها حقوقا تتصالح مع طبيعتها كإمرأة. بل هي بحاجة للعدل حتّى يحميها من تمييز الرجل عليها إذا بغت عقليّة المجتمع الجاهليّ الذكوريّ. وبحاجة للعدل أيضا حتّى ينتصِرَ لها على تمييز الشفقة الأعمى الذي يراها دائما كائنا ضعيفا يحتاج لعشرات الفصول القانونيّة التي تضعها منافسا يجب تسليحُه مُقابل منافس شرس(الرجل) يُريدُ به سوءًا.

المرأة التونسيّة ليست بحاجة لقوانين تنافسيّة تفوح منها رائحة الحرب تبرمج أفكارها على أنّها طرف في معركة حامية الوطيس مع خصم غير شريف. التونسيّة أخت التونسيّ وزوجُه وزميلته في النضال واليد  التي تبني تونس بجانب الرجل. معركة المرأة ليست ضدّ الرجل. معركة التونسيّة ليست ضدّ التونسيّ. التونسيّة تخوض معارك ضدّ قوانين تسلبها الحقّ في حياة كريمة في بلادها. فالتونسيّة الفلّاحة بحاجة لدولة توفّر لها إطارا قانونيّا يحميها في عملها من تغطرس صاحب رأس المال الذي قد يكون إمرأة أو رجلا. التونسيّة المثقّفة بحاجة لقوانين تتبنّى -ماديّا ومعنويّا- إبداعها  في ميدان يبني الفكرة ويلوّن الواقع الحالك بالأنوار. التونسيّة الباحثة بحاجة لدولة توفّر لها الموارد والآليّات التي تضمن نجاح أبحاثها ومنافستها للنسق العالميّ. التونسيّة الريفيّة تخوض معارك ضدّ مركزيّة الدولة التي لا تحترم حقّها في التعليم والثقافة والصحّة. التونيسّة العاملة تشكو من ازدحام وسائل التنقّل الذي يسلبها حقّها في الراحة والتنقّل بكرامة.   

الواقع الصعب الذي تعيشه تونس اليوم لا يحتمل مزيدا من الإحتقان تنفثه مبادرات قاصرة النّظر أو مضمرة النوايا. تونس بعد الثورة خرجت من تحتِ حطام أولويّتُها التعافي من أضراره الكبرى التّي طالت كلّ شيء: البلاد بكلّ ما تحويه من خيرات، والعباد بكلّ ما يحملونه من فكر ووعي وعرف... التونسيّون اليوم وعلى رأسهم الشباب لا ينتظرون ممّن في مواقع القرار جدالات خاوية لا تحمل همومهم الحقيقيّة بل يريدون قوانين ترمي للارتقاء بمستوى العيش ومبادرات تضمن لهم العيش بكرامة في بلادهم ولا تتاجر بأوجاعهم أو تستعملهم رصاصا ينشُرفي الأجواء بلبلة دون إصابة العدوّ الحقيقيّ -كالجهل والفقر والخيانة..- في مقتل. 





..
الحامة
16-08-2017
س  19

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مُروركم يُسعدني.. :)

دليلُ محبّتكم الفعّالة لطفلكم في عامه الأوّل

لأنّكم رفاق العُمر قبل بدايته، لأنّكم الأرض الأولى التي يزرع فيها الطفل خطواته، لأنّكم من ترمون حجر الأساس في بناءِ الرحلةِ الذي ترجون ك...