الخميس، 24 أغسطس 2017

رحيل ..


صادق،

البارحة كنت أقوم بجولة روتينيّة في العالم الأزرق حين استوقفتني جملة قصيرة كتبها أحدهم وفاءً لروح توأمه الراحل.. الراحل اسمه "صادق" ! أبكاني ما كتَبَهُ. لا أعلم هل بكيت من أجل الحيّ أو من أجل الميّت أو من أجلي.. أو ربّما من أجل ثلاثتنا! وأمور أخرى أعلم أنّك تفهمها إن حدّثتك يوما عنها..
بكيت بحُرقةٍ، وبحرقة أشدّ عندما انتبهت لتطابق إسمك وإسم الراحل!  هل كان هذا خوفا من فقدك؟ لكنّي لا أجدك حتّى أفقدك! فأنت إلى الساعة ناءٍ تسبحُ في بقعة من بحر الحياة لا أعلم إحداثيّاتها! الأرجح أنّ فكرة الفقد كانت عَارِضا مُمطِرا!
كنت أبكي فقد ذاك الصديق الذي لا يأتي مرّات كثيرة في العُمر؛ الصديق الذي يمكنه أن يصغي للهموم والترّهات والأفكار القاتمة والمشاعر المعقّدة والتأمّلات المؤرقة والحساسيّة التي لا تطاق من التفصيلات الدقيقة.. يصغي..ينصت..وينتبه للأمواج التي تتلاطم في العيون.. يرهف السّمع لصوت انكساراتنا وموسيقى أحزاننا وضجّة فرحنا الطفوليّ بفكرة أو بخبر تافه صغير ويرى وميض شغفنا بحُلم بعيد لا طريق له! ينصت، ينتبه، يبصر..دون أن يُسدِي نصائح مُطنبة ثقيلة على روح مازالت تكابد مازالت تبحث مازالت عالقة مازالت تحارب..
كنت أبكي فقدي للحروف لأنّه ليس سواها بيننا طريقا وفما وأذنا ويدا..وهذي الحروف تثقل عليها المعاني أحيانا حتّى تعتذر صامتة..وعندها يُقطع الحَبل بيننا..
كنت أبكي لأنّ الرحيل يأتي مفاجئا كسكين نُحسن وضعها بين أيدينا لتكون أداتنا في تحضير شهيّ المأكل للأحبّة، فإذا بها تنفلت من موضعها حتّى تنفذ في بقعة ما من أجسادنا. ونحن بعدُ لم ننتبه! لا ننتبه إلّا وقد صار كلّ ما حولنا أحمرًا قان.ٍ ثمّ نشعر أنّ بنا جرحا غائرا يؤلمنا! هكذا هو الرحيل يغيّر لون ما حولنا في حركة مفاجئة ثمّ يُهدينا الفرصة لنَرْتَشِفَ وجعنا على مَهَلٍ!
عندما بكيت.. تذكّرت رحيل "أسماء" الذي لم أنسه..فانتبهت لتشابه في الأسماء مرّة أخرى! "أسماء" الإسم الذي اخترته لبطلتي، إسم صديقتي الأولى التي أحفظ مكانها في بقعة عميقة من الفؤاد..
أسماء أيضا رحلت فجأة ! وتركت فيّ شهقة لا تُرَدُّ..
أيُّ وجع للرحيل هذا -صادق؟! أعلم أنّك ستنبّهني لقراءة مختلفة عن تلك التي نقرأها كلّما أردنا تبرير عجزنا، لِـ"لا يكلّف الله نفسا إلّا وسعها" . ستقول ما كلّفنا هذا الوجع إلّا لعلمه بسِعَتنا له، بقدرتنا على حمله واحتمال وطأته.. ستخبرني أنّه من الجروح يتسرّب النّور وأنّه لا وُرُود بلا أشواك.. ستحدّثني الكثير من الحِكَم التي أعلمها.. لكنّي أحتاج صدق صوتك وصفاء نظرتك حتّى يوقدان إيماني بها..إيماني الذي يتكدّس عليه تعب الرحلة.. 

سلامًا،
صفيّة.






....
الحامة
الساعة ١٥٠٣٠
٢٤-٠٨-٢٠١٧
الصورة من مكان ما في منطقة "ألمادا فوروم Almada Forum" في لشبونة

هناك تعليق واحد:

مُروركم يُسعدني.. :)

دليلُ محبّتكم الفعّالة لطفلكم في عامه الأوّل

لأنّكم رفاق العُمر قبل بدايته، لأنّكم الأرض الأولى التي يزرع فيها الطفل خطواته، لأنّكم من ترمون حجر الأساس في بناءِ الرحلةِ الذي ترجون ك...