الأحد، 17 سبتمبر 2017

عن الحقيقيّ في حياتنا ..

هذا العالم الذي أصبح فيه كلّ شيء متاحا، هل تمكّنا حقّا من الوصول فيه يا صديقي؟ هل استطعنا أن نلامس حقيقة الأشياء وننهل من معنى الأمور؟
يا صديقي أبحث عن طيف الحقيقة فأزداد اغترابا كلّما ركبت زورق البحث.. الحقيقة تكمن في عمق الأشياء ونحن أضحينا في كسل عن الإبحار الشاقّ نحو الأمور الّتي ندّعي محبّتها بل عشقها .. كم بعيدون  نحن يا صديقي.. كم هذا الدرب طويل، طويل وشاقّ .. من أيّام قليلة مضت كنّا -هو وأنا- نخضّب طرقات المدينة الصاخبة بخطواتنا ونملؤها بضجيج أفكارنا نقاشا يأخذنا نحو المعاني لكنّه لا يوصلنا.. قال لي اللّه هو الحقيقة ونحن البشر نسير نحو الحقيقة ولا نبلغها. المهمّ أن نسير، أن ننقّب عنها ولا نرضى بغير الشقاء في دروبها..
من أحبّ الأشياء سعى باحثا عن حقيقتها بعيدا عن الصور الجوفاء والأوهام الهشّة الرخيصة..  من آمن بحقيقة أمرٍ أحبّه بصدق ففاضت حواسه بأفعال حقيقيّة ..
الذين لا يتعبون لا يصلون لحقيقة الأشياء.. الذي يسلكون الدروب الجاهزة ولا يصنعون طريقا للوصول لمرادهم لن يعرفوا لذّة الوصول ولن يعرفوا قيمة الأشياء التّي ينالونها.. وأنت يا صديقي حقيقيّ للدرجة التي أبصرك فيها مستندا على كلّ حرف ترهف السّمع لتصغي لمكنونات فؤادي فتعلم متى تمدّ يديك إلى دروبي تزيل الأشواك من أمامي وتهديني وردة في كلّ طريق أختاره، فأنت تثق بخياراتي لأنّك تؤمن بأنّ إختياري ينبع من محبّة حقيقيّة.. أنت حقيقيّ يا صديقي لأنّك تستوعب اكتئابي ولا تخذلني متى خارت قُوايَ بل تزرع في صدري نجمة تنير ظلمة طريقي.. أنت حقيقيّ يا صديقي بقدر صبرك على أحزاني الّتي تثقل كتفاي والّتي أجرّها إليك كلّ مرّة في ملامحي التي لا تطلب منها بسمة صفراء أرسمها عند اللّقاء؛ أنت تريدني بكامل حقيقتي ولا ترضى لي بجمال زائف .. أنت حقيقيّ يا صديقي بحجم قدرتك على انتزاع الكلام منّي وانقاذي من انسداد حلقي بالغصص. أنت حقيقيّ بحجم الدّمع الذي ينفلت من عينيّ فتنبت بساتين في روحي.. أنت حقيقيّ بقدر الشجن الذي يغزله قلبك فأنصته سنفونيّة صامتة وأنت لا تتوقّف على نثر البهجة في دروبي.. أنت حقيقيّ بحجم الهموم التّي تحملها بشجاعة ولا ترميها في منتصف الطريق وجلا أو جبنا ..

نحن حقيقيّون على قدر إيماننا الذي يضيء دروبنا.. نحن حقيقيّون على قدر أوجاعنا التي نحملها بصدق لآخر طرق الفرح.. نحن حقيقيّون على قدر المحبّة التي تُلهب الأفئدة فلا نرميها بل نغزل من لهبها دفئا نسكبه في برد هذا العالم .. 


..
تونس، 17-09-2017
(الصورة من محطّة ميترو Cacilhas بلشبونة)


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مُروركم يُسعدني.. :)

دليلُ محبّتكم الفعّالة لطفلكم في عامه الأوّل

لأنّكم رفاق العُمر قبل بدايته، لأنّكم الأرض الأولى التي يزرع فيها الطفل خطواته، لأنّكم من ترمون حجر الأساس في بناءِ الرحلةِ الذي ترجون ك...