الجمعة، 29 سبتمبر 2017

كلمات ..

عندما يرهقني السير في الطرقات ألجأ لداخلي، أتجوّل فيه، أسمع زقزقة الكلمات التي تعشّش في رأسي وتحلّق في سمائي. الكلمات تهبني أجنحة فأحلّق معها وأنسى ضيق الطرقات. عندما أحلّق تعترضني ملامحك التي تجتهد الذاكرة في مسحها متعلّلة بثقلها  وأنّ كلّ ما هو بعيد عن حقول رؤيتنا معروض ومطروح للنسيان. كم ساذجة هذه الذاكرة! لا تعلم أنّ للقلب بصرا يقفز على حقول الرؤية ويذهب بعيدا، بعيدا جدّا ..
على الطريق، أعيد هذي الأيّام مطالعة بعض الأبواب من "أعراس آمنة" في ذات القارئة الإلكترونية التي قرأتها فيها منذ نحو ثلاث أو أربع سنوات فيتداعى ماء العين حتّى يسيل كما سال في المرّة الأولى،؛ بكيت وقتها كما لم أبك من قبل وأنا أقرأ كتابا. تصحبني في القراءة أغنية فرنسية دافئة، تصحبني كامل الطريق لا أستطيع قطعها بل أعيدها مرّة تلو الأخرى وأطير على متن كلماتها والموسيقى وكلمات الرواية. من قال أنّ الكلمات ليست موسيقى؟ إنّها دندنة في قلوب من يعشقونها. إنّها سنفونيّة فريدة في أرواح من يؤمنون بها جسرا صلبا يصل الأرواح المبثوثة في أنحاء الكون الواسع. أحلّق في النقاء حتّى تغرق عيناي في دمع أمسك إنفجاره في محجريّ لأن لا أحد  ممّن يجاورونني يشاهد ما أشاهد حتّى يفهم معنى هذا الفيضان. رغم النّقاء، يحضر حديث صديقتي التي حدّثتني به منذ أيّام قليلة عن خيانات شهدتهم. لا أستوعب أنّ قلبا عرف المحبّة يمكن أن يسلك الخيانة. وهل المحبّة غير الصدق؟! يجيئني قول سلمى التي ما نضب نبعها من المحبّة يوما رغم فجيعة البين رغم الأوجاع: " أفرّق جيّدا، صفيّة، بين أن أكون ساخطة على قدر جعل طريقنا تنشقّ فأمشي في أرض ويمشي في أخرى موازية، وبين أن أكون ممتلئة بشوق لا يسكن، بل تنفخ فيه الأيّام فيستعر كلما خبا. أتدرّب على الرضى، صفيّة، لكنّني لا أستطيع أن أنسى فلا أقدر على ألّا أشتاق. " آه يا سلمى ماذا لو تشبّث هذا العالم بالمحبّة كتشبّث قلبك لكنّا بخير، لكنّا بسلام ..
كلّما أتى المساء تتكدّس الكلمات في حلقي فأجلس قبالتك فأحكي وأحكي..حتّى أفرغ جعبتي من ترّهات تزعجني وأحلام تتشابك فترهقني فوضاها. ثمّ لا أجدك. لم تكن إلّا طيفا، طيفا شفيفا يحوم دائما حولي لا صورة له إلّا في الفؤاد. لا. ليست صورة إنّما حقيقة. لأنّ كلّ صورة تجرح حقيقته. ثمّ أكتشف أنّي لم أكن أحكي. لم يكن لي صوت يجهر بالقول. كانت الحروف تتشكّل بعفويّة بتلقائيّة بقدرة عجيبة في الداخل وتُصاغُ لك وحدك.. 
أعلم أنّك في بقعة  بعيدة قريبة، لا أعلم إن كانت تصلها ذبذبات كلماتي أم لا. لا يهمّ! المهمّ أن أكتب. المهمّ أن لا تسكت الكلمات داخلي فألجأ إليه فأجده قفرا .المهمّ أن أنصت إليها وأكتبها بكامل حرارتها ومعانيها المتّقدة حتّى تضيء لي الطريق ..


..
28-07-2017
س 23
الحيّ الأولمبي - تونس



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مُروركم يُسعدني.. :)

دليلُ محبّتكم الفعّالة لطفلكم في عامه الأوّل

لأنّكم رفاق العُمر قبل بدايته، لأنّكم الأرض الأولى التي يزرع فيها الطفل خطواته، لأنّكم من ترمون حجر الأساس في بناءِ الرحلةِ الذي ترجون ك...