الأحد، 20 مايو 2018

رمضان: ثنائيّة الحرمان والصّبر.

إنّه رمضان.. شهر الصوم وشهر القرآن.

كلّما أقبل رمضان كرّر النّاس قول "يْجِي بْصَبْرَهْ" أي: رمضان يأتي بالصبر معه. كأنّنا بنا نطمئن أنفسنا أنّنا لن نُترَك في لجّة الحرمان وحيدين بلا رفيق؛ بل الصّبر سيرافقنا حتّى صُبر الحرمان وميناء الظّفر.

لا تقنعني اليوم أنّ حكمة الصوم هي الإحساس بالفقراء المحرومين ونحن نشتهي من الأكل ما لذّ وطاب خلال إمساكنا ثمّ نتفنّن في إعداد مائدة منوّعة ملوّنة. كيف السبيل للفقير المحروم لهذا ؟!
ماذا لو امتدّت فترة حرماننا؟ ماذا لو حرمنا ما مُتّعنا به في لحظة خاطفة؛ تُخطف فيها النّعم من بين أيدينا دون رجعة؟ هل سنكون وقتها من الصابرين؟ ما سيكون سلوكنا؟ وكيف سنتصرّف؟ هل سنصبر على ما لم نحط به علما؟
رحلة الصّبر على ما ما لم نحط به علما؛ تبدو رحلة شاقّة تحتاج زادا عظيما. هذه الرحلة  تبدو مظلمة تحتاج كثيرا من النّور. رحلة كلّفت موسى الفراق؛ فراق الرفيق الصّالح الذي أراد صحبته. رحلة تستحقّ إختيارا حتّى نسلكها.

الحرمان والصّبر. ثنائيّة لا تنفكّ عن رمضان. هذا الحرمان إختياريّ وهذا الصبر عنه إختياريّ.
يحضرني حديث "لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا؛ إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ, وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ". هذا الحرمان الذي يُديرُه الإنسان بالصّبر ستكون عاقبته فرحة. هذه الفرحة قد تكون دنيويّة لكنّها أخرويّة خالدة بدون شكّ.

كثيرا ما نلحّ في البحث عن الحكمة من وراء الحرمان فنسخّر أوقاتا مديدة من أعمارنا للركض وراءها حتّى نلتهي عن حكمة السير المعلومة وعن السعي من أجل ما هو جليّ وواضح ومعروف: "تحقيق إنسانيّتنا وتحمّل أعباء الإنسان الخليفة المسؤول عن التعمير والبناء والإصلاح.."
الحكمة قد تختفي وراء أسباب معقّدة تتجاوز حقل إدراكنا أو قد تسبق علمنا المحدّد بالظرف الزمكانيّ. والصّبر إختيار. الصّبر هو إختيار من يعتقد أنّ هذا الحرمان يحتاج السّفر نحو الظّفر. الصّبر إختيار من قرّر السّفر والتّرحال إلى آخر الحكمة وإن عجز عن تبيّن خيطها الأوّل إذا ما اشتدّ الظلام. الصّبر إختيار من إختار العهد محبّة وقرّر أن لا ينكثه.





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مُروركم يُسعدني.. :)

دليلُ محبّتكم الفعّالة لطفلكم في عامه الأوّل

لأنّكم رفاق العُمر قبل بدايته، لأنّكم الأرض الأولى التي يزرع فيها الطفل خطواته، لأنّكم من ترمون حجر الأساس في بناءِ الرحلةِ الذي ترجون ك...