الأربعاء، 6 يونيو 2018

قصة قصيرة


يستفتح جلسته على المكتب بفتح دفتره والكتابة إليها؛ رسالة قصيرة تقصّ حكاية تلحّ عليه أو تحدّ يعيشه. ثمّ يرتشف قهوته على لحن تعلّقت به روحها، وحالما تختفي آخر قطرة من فنجان قهوته يضع الفنجان بحركة سريعة يخشى الانغماس في البن الراكد في الأعماق وبذات السرعة يوقف صوت اللحن المنبعث من حاسوبه خاشيا أن يعلق في شباك الذكريات. ينتقل بنقرة سحرية لأعمال معلّقة تنتظر معالجته لها.

هذا هو ديدنه مذ فارقته. لم يتوقّع حجم أربه لها، لم يكن يعلم أنّها ستترك هذه الهوّة التي لم يلق ما يسدّها. عندما كانت في جواره كان يقلقه التفكير فيما يمكن أن يقدّمه لها من رعاية فروحها ذات حساسيّة كبيرة. وها هو اليوم معفى من أن يقدّم لها أيّ شيء غير بعض الحروف التي لا تقرؤها.

ما كان يعلم أنّ الطريق الذي جمعهما سينشقّ بتلك الطريقة الفجئيّة واللامنتظرة. ظنّ أنّها قد تنسحب جرّاء مشكل ما يعترض سيرهما، ظنّ أنّها قد تتركه إثر نقاش ما من أجل إحدى بنات أفكارها التي تتحمّس لهنّ حماسا شديدا، ظنّ أنّ رياح الطريق قد تخفت وهج الوُدّ في صدرها.. لكنّه ما رسم يوما نهاية كتلك النهاية!
كان على سفر منشغلا بأعماله الكثيرة التي طالما كانت سببا في عتابها عليه ومناسبة لرشقه باتهاماتها أن اهتمامه الضئيل لا يناسب البتة اهتمامها الدقيق بشتى تفاصيله. في البداية كان كثيرا ما يغضب من بركان غضبها الذي تفجره الأمور الصغيرة، لكنه اطمئن فيما بعد عندما علم أن غضبها هذا زوبعة في فنجان فشطآن عفوها أرحب من كل غضب. يومها رن هاتفه فإذا باسمها على الشاشة. لم يرد للمرة الأولى والمرة الثانية لأنه كان غارقا بين الأعمال ولن يستطيع أبدا التركيز للتحدث معها. كانت تقول له دائما أن التركيز في أمرين إمتحان يصعب عليه اجتيازه. لكن الحاح الهاتف في الرنين دفعه للإجابة، لعلها تحتاج أمرا مستعجلا كي تخبره به. فتح الهاتف فلم يصله صوتها، أتاه صوت رجل! غمره الذعر ثم صعقته الصدمة عندما تكلم الرجل. إنه رجل الأمن الذي عاين مكان الحادث. حادث مروع انتشلها من بحر الحياة حيث سبحا سويا وسند كل منهما الآخر كلما علت الأمواج واشتد الريح.
لن يستقبل رسائلها بعد اليوم، لن يرفع السماعة ليجبر خاطرها الذي كسره بسوء رعايته، لن يسمعها ألحانه الجديدة التي تعلمها، لن يرسل ها نصا حتى تراجعه، لن يعاندها من أجل حجة منحازة سقتها من عاطفتها المرهفة، لن تعانده من أجل طريق ألح على سلكها، لن تبعث رسالة لا يفتحها لانشغاله ثم ينساها فتتهمه بالاهمال والتقصير ناسية حرصه على إرضائها في مواقف أكبر ، لن يجدها في انتظاره تثرثر له عن تفاصيل يومها وعن الأحلام التي اتقدت لتوها في أعماقها.. لن يحصل كل هذا، في لحظة لم يحسب أنها فارقة أضحى بلا رفيقة.. "ليت الدرب كان أطول حتى تعلمي ما يختلج به القلب لك! ليت العمر كان أوسع حتى أنثر في قلبك طمأنينة لا تسكن أن هذا القلب ما سكنه إلاك! ليت الوقت كان أطول حتى أجلس قبالتك أقتبس من عينيك المعاني الذي دثرتني كلما استرقت منك نظرات عابرة.." ردد القول في سره عشرا وعشرين، لكن أمنياته لم تستحل قط رجاءات!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مُروركم يُسعدني.. :)

دليلُ محبّتكم الفعّالة لطفلكم في عامه الأوّل

لأنّكم رفاق العُمر قبل بدايته، لأنّكم الأرض الأولى التي يزرع فيها الطفل خطواته، لأنّكم من ترمون حجر الأساس في بناءِ الرحلةِ الذي ترجون ك...