الخميس، 2 يناير 2014

في الذكرى 522 لـ سقوط "الأنـدلس" (2 جانفي)


لا أرى في إحيـاء حدث تاريخيّ بالتذكّر و الوقوف على تفاصيل الحادثة، مضيعةً للوقت و وقوفًا على الأطلال لا يُغني و لا يُسمن من جوع. و لو كان كتبة التّاريخ في أغلب الأحيان ليسوا بموضوعيين، إلّا أنّه بوسعنا استقاء الخبر من مصادر متباينة و البحث عن سندٍ من الثّقاتِ للحصول على رؤيةٍ أشمل للتّاريخ. إنّ في قراءة التّاريخ و التمعّن في تفاصيله فائدة كبيرة، كيف لا و القرآن جـاء في معظمه قصصا للسّلف، قصصا لم تُركّز على أسماء الأشخاص و الأمكنة بل كان مُبتغاها حملُ الحكمة و العبرة. و هكذا علمتُ أنّ إحياءنا لتلك الأحداث التّي تلمسنا كأشخاص أو كجماعات يجب أن تتجاوز التباكي على الأمجاد و التمسّك بالخرافات و الترهات..

وها نحن في هذه الأيّام في أفيــاء ذكرى سقوط آخر مدينة أندلسيّة "غرناطة" -مدينة بني الأحمر- و بها اختفت الأندلس من الخارطة لتحلّ مكانها ما يسمّى بالمملكة الإسبانيّة. في تاريخ 2 جانفي من كلّ سنة تُقيم السلطات الإسبانيّة احتفالات رسميّة تدعوها "احتفالات الاستقلال" ففي مثل ذلك التّاريخ استحوذ الاحتلال القشتاليّ على آخر ولاية من بلاد الأندلس و هي "مملكة غرناطة" بمٌقتضى معاهدة دوليّة. معاهدة "تسليم غرناطة" الّتي أمضاها محمد بن يوسف بن نصر بن الأحمر -أوّل حكّام بنو الأحمر لمملكة غرناطة- مع ملك قشتالة "فرنالدو الثّالث" و الّتي و إن قدّم فيها بن الأحمر عدّة تنازلات تنمّ عن ضعف حال المسلمين آنذاك، إلّا أنّها كانت وسيلة الخداع الّتي بموجبها حقّق المحتلّ الغاشم غايته و هي السيطرة على أراضي غرناطة و طرد أهلها و إبادتهم و التضييق عليهم و طمس معالم الهويّة الأندلسيّة؛ فحرقت آلاف الكتب و طُوِّقَ الأندلسيّون تطويقًا مريرًا حتّى في معتقداتهم و لغتهم "العربيّة" التّي أصبحت أمارة الانتماء للدّين المُحمّديّ.

تاريخ الأندلس هو ما يُقارب الثمانمائة سنة و أكثر من تاريخ الإسلام، هل يُمكن مجاوزة هذه الحقبة الزمنيّة و المرور عليها مرور الكرام بل أعذروني إن قُلتُ مرورَ اللّئام ! أ فيُعقل و نحن شباب هذه الأمّة العربيّة الإسلاميّة الكثير منّا لا يعلم سوى القليل عن هذه الحضارة العظيمة "الحضارة الأندلسيّة" ؟! كيف لا يتساءل الواحد منّا كيف بُنيت هذه الحضارة الضّخمة التّي لم تندثر آثارها إلى يومنا هذا ؟ من هو "موسى بن نُصير" و كيف أدخل الإسلام إلى بلاد الأندلس و كيف توحّدت ؟ كيف أصبحت قوّة ثقافيّة لا تُنازعها أخرى في العالم ؟ و كيف سقطت هذه الدّولة المترامية الأطراف التّي امتدت من شمال إفريقيا إلى بعد قليل من الكيلومترات من أوروبا ؟ .... لعمري إنّها فُسحةٌ من الزّمن أتت فيها مُعظم سُنن التّاريخ، و تتالت: قوّة فوهن، انتصار فهزيمة، صعود فسقوط، إشعاع فطمسٌ، بناءٌ فهدم ... لهذا وجب علينا تدارسُ هذا التّاريخ و استقاء العِبرِ منه. الأندلس لا ليست ترفًا فكريّا ! فقد يقول بعضهم أ هموم الأمّة قليل حتّى نلتفت للأندلس الّتي مرّ على سقوطها القرون ؟؟ و كما أطلق الدكتور راغب السرجاني على إحدى سلسلته الصوتيّة "حتى لا تكون فلسطين أندلسًا أخرى"، فالتّاريخ يُعيدُ نفسه و الاعتداءات لها ذاتُ الملامح الغشيمة الباطشة و إن اختلفت وسائلها. الأندلس تاريخٌ مليء بالدّروس. الأندلس قضيّة شعب أبيد و قُتّل و عّذب و شرّد و انتهكت حقوقه و صودرت حريّاته. الأندلس قضيّة إنسانيّة بامتياز!

كـشابّة مُسلمة و أمثّل شريحةً لا بأس بها من الشباب المسلمين الّذين يعلمون القليل عن الأندلس و تاريخها، تُمتِعني آثار هذه الحضارة و خاصّة المعمار فأنظر إليها بدهشةٍ و أمُرّ .... ! لم أنظر يومًا لـ "إسبانيا" على أنّها دولة أقامها المحتلّ القشتاليّ على أنقاض البلاد الأندلسيّة و السّيطرة على خيراتها ظُلما و بُهتانًا.

جاء يوم قُدّر لي تصفّح صفحة "الأندلس" على الفيسبوك كما تعرّفت على منشورات صاحبتها "منى حوا" الّتي أرتني جزءًا آخر من القضيّة و أطلعتني على حقائق لم أكن أعلمها. و دفعتني للبحث عن مُفردات لم أكن أعرفها أو حتّى أستمع بها كـ "القشتاليّون"، "الأرغون"، "الموريسكيّون"، .... و ها أنا بصدد اكتشاف "ثروات" كـحلقات الدكتور راغب السرجاني "الأندلس من الفتح إلى السقوط" و كتاب "الأمّة الأندلسيّة الشّهيدة" لـ "عادل سعيد البشتاوي".. و مازلت اليوم لا أعلم الكثير عن هذه الأمّة و عن هذه الحضارة.. لكنّي آمل أن أتعرّف عليها أكثر إيمانًا أنّ تاريخ الأمّة و قضاياها لا تتجزّأ و لا تتفكّك، إنّما هي مجموعة من التراكمات و سلسة من الأحداث يجب أن نعيها و نفهم الرّوابط بينها حتّى نهتدي إلى سبيل الصّلاح و كما يُقال "صلاح الأمة في عُلوِّ الهمة" و "أمّة بلا تاريخ أمّة لا تنهض"!





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مُروركم يُسعدني.. :)

دليلُ محبّتكم الفعّالة لطفلكم في عامه الأوّل

لأنّكم رفاق العُمر قبل بدايته، لأنّكم الأرض الأولى التي يزرع فيها الطفل خطواته، لأنّكم من ترمون حجر الأساس في بناءِ الرحلةِ الذي ترجون ك...